الصحافة _ كندا
“لا مكان اليوم ولا غدا لمغرب يسير بسرعتين”. بهذه العبارة الحاسمة وضع الملك محمد السادس، في خطاب العرش الأخير، يده على جرح عميق ظل ينزف لسنوات: الفوارق الصارخة بين مغرب يستفيد من ثمار النمو والاستثمارات، وآخر مهمش يعيش العطش والخصاص في أبسط مقومات الحياة. كان الخطاب صريحا، قويا، وموجها مباشرة إلى صناع القرار، وفي مقدمتهم الحكومة.
غير أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وبعد أيام قليلة، ظهر عبر الإعلام العمومي ليرسم صورة وردية عن واقع البلاد، محاولا إقناع المغاربة بأن كل شيء يسير بخطى ثابتة نحو الإصلاح والتنمية. وهنا يطرح السؤال الكبير: هل تحدث أخنوش عن نفس المغرب الذي وصفه الملك؟ أم أن بين الرؤية الملكية والواقع الحكومي هوة سحيقة لا تُجسرها الأرقام والنسب المئوية؟
الملك دعا بوضوح إلى تعزيز العدالة المجالية كشرط أساسي للعدالة الاجتماعية، لكن رئيس الحكومة لم يقدم أي تعهد صريح لتصحيح الخلل البنيوي. لا خطة واضحة لتنمية الهوامش، ولا اعتراف بحجم الفوارق التي تهدد تماسك النموذج التنموي. اكتفى الرجل بلغة الجداول، وكأن الوطن يُدار عبر بيانات جامدة، لا عبر الإنصات الحقيقي لمعاناة الناس.
بينما يذكّر الخطاب الملكي بالفجوة بين مناطق مزدهرة وأخرى تعيش خارج الزمن التنموي، تجاهل أخنوش النداء وواصل الحديث عن “منجزات حكومته”، في وقت لا يزال فيه آلاف المواطنين في القرى يعانون من العطش، وانقطاع الطرق، وغياب التطبيب، وهدر مدرسي متفاقم. فكيف يمكن لحكومة تصف نفسها بـ”الاجتماعية” أن تصم آذانها عن رسائل العرش؟
الأخطر أن مثل هذه التصريحات تُعمق أزمة الثقة. حين يرى المواطن أن خطاب الملك يعكس واقعه بصدق، ثم يسمع من رئيس الحكومة ما يناقض ذلك، ينتابه إحباط وسخرية مرة: كيف لرأس الدولة أن يكون أقرب إلى نبض الشارع من المسؤولين التنفيذيين؟
الحكومة اليوم ليست في حاجة إلى مساحيق الخطاب، بل إلى شجاعة سياسية للاعتراف بالإخفاقات، وجرأة لتغيير السياسات وتسريع الإصلاحات. فخطاب العرش ليس مناسبة بروتوكولية، بل خارطة طريق للأمة. وأي تجاهل لمضامينه هو استخفاف بطموحات ملايين المغاربة الذين ما زالوا ينتظرون عدالة مجالية وكرامة مكتملة.