بريطانيا على خطى واشنطن؟.. إشارات سياسية واقتصادية تُقرب لندن من الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه

13 أبريل 2025
بريطانيا على خطى واشنطن؟.. إشارات سياسية واقتصادية تُقرب لندن من الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه

الصحافة _ كندا

في وقت تتعدد فيه التحولات الجيوسياسية وتتزايد رهانات المصالح الإقليمية، بدأت ملامح تغيير دقيق وهادئ تلوح في الأفق البريطاني تجاه قضية الصحراء المغربية. تصريحات مسؤولين ونواب بارزين داخل مجلس العموم البريطاني، إضافة إلى مواقف رسمية جديدة بشأن الاستثمارات البريطانية في الأقاليم الجنوبية، ترسم صورة لموقف يتجه تدريجياً نحو إعادة التموقع، بعيداً عن الحياد التقليدي الذي وسم السياسة البريطانية منذ عقود.

السير ليام فوكس، الوزير البريطاني السابق ورئيس المجموعة البرلمانية حول اتفاقيات أبراهام، اعتبر أن تجديد الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه “قرار مستنير” من شأنه أن يخدم التنمية والاستقرار الإقليمي. هذه الإشادة الأمريكية لم تمر مرور الكرام في الأوساط البريطانية، بل كانت مناسبة لتحريك المياه الراكدة في ملف طالما ظل مؤطراً بعبارات دبلوماسية فضفاضة من لندن. السير فوكس دعا المملكة المتحدة إلى أن تحذو حذو واشنطن، مؤكداً أن المغرب يمثل شريكاً استراتيجياً في غرب إفريقيا وشمالها، ويضطلع بدور محوري في قضايا الأمن والتنمية والسلام.

في مجلس العموم، كانت الحكومة البريطانية مطالَبة بموقف واضح. وزير الخارجية ديفيد لامي لم ينف حدوث تطور، وأقر بوجود نقاشات مستمرة مع الرباط، مشيراً إلى أن الملف “قيد المراجعة”. هذا التحفظ الرسمي يقابله تغير فعلي على مستوى السياسات الاقتصادية، خصوصاً بعد أن أتاحت الحكومة البريطانية بشكل رسمي المجال أمام شركاتها للاستثمار في الصحراء، دون قيد أو ربط بالملف الفلسطيني، رغم محاولة اللوبي الداعم للطرح الانفصالي فرض هذا الربط.

التحول لا يقف عند التصريحات، بل يتجلى أيضاً في أجوبة رسمية مكتوبة، من بينها جواب وزير الدولة المكلف بالسياسة التجارية والأمن الاقتصادي، دوغلاس ألكسندر، الذي أكد أن الاستثمار في الصحراء الغربية “يعود إلى تقدير الشركات”، مع الحفاظ على دعم جهود الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي للنزاع. وهو ما اعتُبر رسالة مزدوجة: من جهة عدم الوقوف في وجه المصالح الاقتصادية البريطانية، ومن جهة أخرى تأكيد التزام الخطاب الأممي.

أندرو موريسون، الوزير البريطاني السابق لشؤون الدفاع وعضو مجلس العموم، لم يتردد في وصف الموقف الأمريكي من قضية الصحراء بأنه “سديد”، داعياً لندن إلى التحلي بالمزيد من البراغماتية، والانخراط في دعم الحل المغربي القائم على الحكم الذاتي، أسوة بدول أوروبية أخرى بدأت تراجع مواقفها التقليدية.

المحلل المغربي الدكتور الشرقاوي الروداني، رأى في هذه التطورات تجسيداً لاعتراف متزايد داخل النخبة البريطانية بالدور الاستراتيجي الذي يضطلع به المغرب في شمال إفريقيا والساحل، وبأهمية الربط الجغرافي والسياسي بين المملكة المتحدة وشريك مستقر وموثوق على ضفاف الأطلسي. الروداني أوضح أن هذا الاعتراف، في حال اعتماده رسمياً، لن يكون مجرد إجراء دبلوماسي، بل هو تموقع جيوسياسي يصب في مصلحة بريطانيا على عدة مستويات، من أمن الطاقة، إلى مكافحة الإرهاب، إلى بناء شراكات استراتيجية في إفريقيا بعد البريكسيت.

في الواقع، تطورات الموقف البريطاني تأخذ زخماً تصاعدياً منذ توقيع اتفاقية الشراكة بين الرباط ولندن سنة 2019، والتي ضمنت استمرارية العلاقات بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. اتفاقيات في مجالات الزراعة والطاقة المتجددة والصناعة جعلت من المغرب شريكاً اقتصادياً لا غنى عنه، وهو ما تُرجم إلى أرقام ملموسة: 3.1 مليار جنيه إسترليني كحجم مبادلات تجارية في عام واحد.

رسالة جماعية وجهها 31 نائباً بريطانياً إلى الحكومة، بقيادة السير ليام فوكس، طالبت بشكل صريح بدعم السيادة المغربية على الصحراء، واعتبرت أن مبادرة الحكم الذاتي تشكل الإطار العملي والنهائي لإنهاء النزاع. الرسالة أكدت أن الحلول البديلة لم تعد قابلة للتطبيق، وأن الحياد لم يعد يُنتج سوى الجمود واستمرار التوتر. من هنا، يظهر أن المزاج السياسي داخل البرلمان البريطاني بدأ يميل بوضوح نحو موقف داعم للمقاربة المغربية، بشكل أكثر انسجاماً مع مصالح لندن في المنطقة.

الواقع الجديد الذي تتجه نحوه بريطانيا يُقرأ في ضوء تحولات أوسع، دولية واقتصادية وأمنية، تجعل من المغرب بوابة محورية نحو إفريقيا، ونقطة ارتكاز في السياسات الأطلسية الجديدة. الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، إنْ حُسم في المستقبل القريب، لن يكون فقط تصحيحاً دبلوماسياً، بل خطوة استراتيجية تُعيد ضبط عقارب السياسة الخارجية البريطانية على إيقاع التحولات الجارية جنوب المتوسط.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق