الصحافة _ وكالات
سلط باحثون ومختصون عرب في لقاء حواري نظمه مؤخرا منتدى الفكر العربي بعمان عبر تقنية الاتصال المرئي ، الضوء على الرحلات المغربية والأندلسية إلى بيت المقدس. وناقش المتدخلون في هذا اللقاء أسباب توجه الرحالة المغاربة والأندلسيين إلى بلاد المشرق وخصوصا منطقة الحجاز وبيت المقدس ، وأهمية أدب الرحلة في رسم صورة واضحة عن أحوال الشعوب في زمانهم ، كما بينوا الأهمية الدينية والعلمية لبيت المقدس التي جعلت منه مكانا يقصده من يطلب العلم والمعرفة ومن يحب الاكتشاف.
وأكد المشاركون أهمية إجراء دراسات وبحوث علمية بالرجوع إلى كتب الرحالة ، واتخاذها مراجع ، كونها تغطي مراحل زمنية واسعة ، وتتناول موضوعات عديدة ومختلفة ، يحتاجها الباحث لقراءة وفهم العلاقات بين الثقافات والحضارات السابقة للكتابة ونقل المعارف والمعلومات عنها.
وأبرزت الناقدة والباحثة المغربية في النثر العربي القديم والبلاغة الجديدة، نادية الزقان ، أن مدينة القدس مدينة متعددة الثقافات، تفتح أبوابها للقادمين إليها دون تعصب ، مبرزة أن سكان المغرب العربي اهتموا بزيارتها منذ العهد الفاطمي كركن أساسي في فترات الحج والعمرة ، ومنهم من استقر بها بشكل دائم وتولى مناصب مهمة في المدينة منها القضاء وإمامة المالكية بالمسجد الأقصى.
وأضافت أن المغاربة أصبح لهم حضور مكاني في القدس خاصة بعد خضوعها للحكم الفاطمي بعد معركة حطين سنة 583هـ ، في شكل حارة تحمل اسم ” حارة المغاربة ” هدمت عام 1967 ، كما أطلق على أحد أبواب القدس في سورها الجنوبي-الغربي اسم “باب المغاربة “.
وأشارت إلى أن جميع الأدوار الجهادية التي قام بها المغاربة تجاه بيت المقدس سواء من ناحية علمية في الكتابة عنها وتوثيقها ، أو عسكرية في دفاعهم عنها بمعركة حطين ، أو أمنية في الحفاظ على القدس وحراستها عن طريق الاستقرار فيها ، يأتي من مكانتها وأهميتها الدينية الكبيرة.
من جهتها ، أوضحت أستاذة الأدب العربي والأدب الأندلسي وعضو منتدى الفكر العربي ، فريال العلي ، أن صلة الأندلسيين والمغاربة ببيت المقدس مرتبطة بأسباب دينية ، وتتمثل معالمها بالحج للبيت الحرام وزيارة المسجد النبوي وطلب العلم ، مسجلة أن كثيرا من الرحالة آثروا البقاء ببيت المقدس حتى وفاتهم ، وأسهموا في الحياة العلمية والسياسية حتى أصبحوا من العلماء المشهورين بين المشارقة أمثال أبو عبد الله القرشي الهاشمي.
وذكرت أن عددا من الرحالة المغاربة والأندلسيين قد دونوا مشاهداتهم عن بيت المقدس ، ووصفوه وصفا دقيقا غنيا بالمعلومات الهامة التي لم تدرج في كتب التاريخ المعاصرة ، أمثال الأندلسي الشريف الإدريسي ، وابن جبير ، وابن بطوطة ، والمقري.
من جانبه ، أبرز الوزير الأردني الأسبق والأمين العام لمنتدى الفكر العربي ، محمد أبو حم ور ، أن أهم ما تكشف عنه الرحلات عموما ، والرحلات الأندلسية والمغربية بالخصوص، هو تطور العلاقات بين أجزاء من العالم العربي والإسلامي أيضا ، وتوضح جذور التنوع الثقافي والمشتركات الحضارية ، عدا الامتداد الحضاري والثقافي للحضارة العربية في عالم العصور الوسطى ومعالم التطور ، وما أفادت به هذه الحضارة العالم من تنبه إلى العلم والقيم والثقافة والأفكار والحوار .
وأشار إلى أن الرحلات الأندلسية والمغربية تمثل صورة واقعية من صور التاريخ الاجتماعي والثقافي للشعوب العربية والإسلامية ، خلال حقب تاريخية مختلفة ، وتعبر أيضا عن الأحوال السياسية والاقتصادية ، كما تعد من الوسائل المهمة للتواصل المعرفي بين الشعوب ، وتتحدث عن عادات وتقاليد ومظاهر حياة وأنماط عيش كانت سائدة في الزمان القديم ، وتورد معلومات عن الكثير من الشخصيات في الأماكن والبلدان التي زارها الرحالة.
بدورها ، أكدت أستاذة الأدب الأندلسي في جامعة المستنصرية في العراق ، أناهيد الركابي ، أن الرحلات المغربية والأندلسية إلى المدينة المقدسة غاية في الأهمية ، لأنها تبي ن إسهامات العرب والمغاربة في الأدب الجغرافي وأدب الرحلة، موضحة أنهم أوردوا في كتاباتهم معلومات تاريخية عن المدينة معتمدين على مشاهداتهم وما سمعوه من أهلها ، وهي معلومات لا تتوفر في كتب التاريخ المعاصرة على الرغم من أهمية المكان .
أما أستاذ الحضارة في الجامعة التونسية ، لطفي دبيش ، فأشار إلى أن الأبحاث والقضايا التي تتعلق برحلات المغاربة والأندلسيين إلى بيت المقدس جديرة بالنشر والاهتمام ، وهي قليلة مقابل الأبحاث المتعلقة بالشعر القديم والبلاغة ، بالرغم من أن نصوصها عاشت امتدادا زمنيا طويلا من القرن الثالث إلى القرن الخامس في المشرق الإسلامي ، ومن القرن السادس إلى القرن الثامن في المغرب الإسلامي ، ولاقت تقبلا أكثر من النصوص الأدبية الأخرى ، ما وفر فيها مادة معرفية زخمة تحيط بالمدينة من جميع عناصرها الطبيعية والبشرية .
وأوضح أن أدب الرحلة أرسى القواعد المنهجية التي تستند إلى العيان والبحث الميداني ، إلا أن الجوانب الذاتية والرؤية الشخصية والثقافية والسياسية لبعض الرحالة يمكن أن تظهر في بعض نصوصه.
وأكدت باقي المداخلات أن المغاربة والأندلسيين هم رواد أدب الرحلة ، سجلوا مشاهداتهم للأماكن التي زاروها في بلاد الشام بالرغم من قلة رحلاتهم إليها مقارنة مع رحلاتهم إلى الحجاز ، داعية إلى ضرورة إجراء دراسات تتعلق بأدب الرحلات المشرقية وأدب الرحلات المغربية تتناول موضوعات دينية وسياسية وديموغرافية وثقافية ، وتحليل الخطاب للرحلات.
المصدر: Medi1tv