الصحافة _ كندا
في خضم التحضير لاستحقاقات 2026، شكّلت الاجتماعات المتوالية التي ترأسها وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت مع قادة الأحزاب السياسية، لحظة مفصلية في مسار إعادة هيكلة المشهد الانتخابي المغربي، تنزيلاً للتوجيهات الملكية التي أكد فيها الملك محمد السادس، في خطاب العرش، على تنظيم الانتخابات التشريعية في موعدها الدستوري، وعلى ضرورة إخراج القوانين المؤطرة لها قبل نهاية 2025.
وما يميز هذه المرحلة، ليس فقط أسبقيتها الزمنية، بل طبيعتها السياسية والإجرائية، حيث أُسنِد الإشراف المباشر على المشاورات الانتخابية إلى وزير الداخلية بدل رئيس الحكومة، في سابقة تُنهي عرفًا سياسيًا تكرّس منذ دستور 2011. هذا التحول، يعكس إرادة ملكية واضحة في أن تكون العملية الانتخابية المقبلة مؤطرة بقواعد نزيهة وشفافة، تفضي إلى إفراز نخبة سياسية مؤهلة لتنزيل الأوراش الكبرى، وفي مقدمتها رهان تنظيم كأس العالم 2030.
الاجتماعات التي شهدت حضور كافة الأحزاب، ركزت على تقديم تصور وزارة الداخلية لمراجعة المنظومة الانتخابية، من خلال سبعة أهداف رئيسية، منها تحيين اللوائح، تخليق العملية الانتخابية، تحفيز المشاركة، عقلنة المشهد السياسي، توسيع تمثيلية النساء والشباب، تطوير التواصل العمومي، وضبط الجدولة الزمنية والتنظيم اللوجستي.
وإن كان لفتيت قد أبدى انفتاحًا على مقترحات الأحزاب، إلا أن دلالات المشهد تُقرأ في أكثر من مستوى. أولها، الرغبة في تجاوز سلبيات المرحلة السابقة، التي طبعتها اتهامات بـ”التغوّل السياسي” من قبل الأغلبية الحكومية، وهو ما دفع إلى تحييد رئاسة الحكومة عن الإشراف المباشر على المشاورات، خاصة أن رئيس الحكومة الحالي يرأس حزب التجمع الوطني للأحرار، مما يُفقده ـ بحسب نفس المصدر ـ الحياد المؤسساتي المطلوب في هذا السياق.
كما أن إسناد المهمة لوزارة الداخلية، الجهة التي تشرف فعليًا على تنظيم الانتخابات، يُفهم أيضًا كمؤشر على رغبة في استعادة الثقة في العملية برمتها، وتحقيق نوع من التوازن السياسي الذي يسمح بمشاركة موسعة وفاعلة، خصوصًا من المعارضة.
وإذا كانت الانتخابات المقبلة تكتسي طابعًا خاصًا، بارتباطها الوثيق بما يُصطلح عليه “حكومة المونديال”، فإن إعدادها لا يمكن أن يتم بالآليات السابقة نفسها. فالانتخابات لم تعد مجرد لحظة سياسية دورية، بل ورش سيادي بامتياز، يرتبط بصورة المغرب في الخارج، وبتحقيق الانتقال نحو نخبة سياسية نظيفة وفعالة.
وقد تم الاتفاق على أن تتوصل وزارة الداخلية بمقترحات الأحزاب بخصوص الإطار التشريعي للانتخابات قبل نهاية غشت 2025، لتُعرض على البرلمان خلال الدورة الخريفية، بهدف إخراجها قبل نهاية السنة، تنفيذًا لتعليمات الملك. وهي جدولة تُعبّر عن حزم ملكي في احترام الزمن الدستوري، وعن رهان مؤسساتي على دقة الإعداد لتفادي أي ارتباك في المراحل المقبلة.
إن قرار الملك بإسناد الإشراف إلى وزير الداخلية، وتوجيهه الصريح بتأطير الانتخابات بقوانين نزيهة، يشكل لحظة تأسيسية لإعادة ضبط قواعد اللعبة السياسية، بما يضمن استحقاقًا انتخابيًا يحظى بشرعية ديمقراطية، ويضع الأسس لحكومة قادرة على رفع التحديات الداخلية والخارجية، وعلى رأسها التنظيم التاريخي لمونديال 2030.