الصحافة _ حاوره عبد الرحمن عدراوي
أكد المصطفى المريزق أن وحركة قادمون وقادرون-مغرب المستقبل، ومنذ تأسيسها سنة 2017 ، ما نفكت تثير وتنبه للإشكالات التي تثيرها أزمة الفعل السياسي والمدني بالمغرب.
وعرض المريزق، في حوار شامل مع جريدة الصحافة الإلكترونية، مجموعة من التحديات والعوائق التي يواجهها الفعل السياسي والمدني، ناهيك عن التحدي النظري والعملي الذي يواجه الفاعل بشكل عام.
كما تطرق الحوار إلى عدة قضايا يواجهها الفعل المدني والسياسي والأوراش المقدمة وكيفية قصور الفاعل السياسي في التعاطي معها.. وقضايا أخرى تكتشفونها في هذا الحوار.
* المُلاحظ أن حركة (قادمون وقادرون-مغرب المستقبل)، حركة تطرح حولها علامة استفهام كبيرة. كيف تفسرون ذلك؟
هذا ممكن، وأنا شخصيا أتفهم من يطرح مثل هذي الملاحظات، وذلك ممكن ومن أوجه متعددة، وهذا مرده إلى أن التجارب الكلاسيكية السابقة التي كانت مرتبطة بالشرق أو بالغرب، كانت تجارب أيديولوجية. علما أن كل الحركات التحررية عبر العالم ارتكزت في قسم مهم منها، على أيديولوجيات…
* وهل هناك عيب في الإيديولوجيات؟
ليس هذا هو قصدي من الكلام، بل قصدي أن الديمقراطية كانت هي الضحية الأولى لهذه التجارب، ولأنها لم تنتصر في الصين وروسيا وافريقيا والعالم العربي والشرق الأوسط، ولأن التيارات اليسارية الراديكالية ظلت تبعية ومتخلفة وعاجزة عن الاجتهاد والابتكار، ولأن بنيتها الاجتماعية والسياسية بقيت خاضعة للفردية وغارقة في الغيبية والخرافية والكذب، وأمام الخوف الرهيب من المستقبل، كان علينا ان نمتلك الشجاعة للمطالبة بهدم كل مخلفات الماضي ومحاولة المساهمة والمشاركة في بناء مغرب المستقبل كحتمية لا محيد عنها في مجال السياسة والأخلاق والدين وكذلك في المجال الاقتصادي والاجتماعي…
إنه شعور بالمسؤولية، لرد الجميل لهذا البلد الأمين الذي نشأنا فيه وترعرعنا في أحضانه، ويستحق منا رؤية وجرأة فلسفية وعقيدة اجتماعية ومعتقدات اقتصادية وسياسية مغربية-مغربية.
فمن الطبيعي أن نثير من حولنا الغموض، لأننا نؤمن بأن التغيير يفترض الحقيقة، ولأننا نؤمن بالمكاسب التي حققناها جميعا بتضحياتنا. لكن لازالت أمامنا عدة عوائق يجب ازالتها.
برأيك، ماهي هذه العوائق؟
العائق الأول، هو الحق في الثروة الوطنية، ذلك أنه ومنذ خطاب العرش الـ15 الذي قدمه الملك محمد السادس يوم 30 يوليوز 2014 والذي تناول فيه موضوع “الثروة الوطنية”، ونحن ننتظر من الفاعلين بمختلف مراتبهم وأنواعهم وأشكالهم أن يعبروا عن رأيهم وموقفهم بكل جرأة وشجاعة في قضية الثروة الوطنية والاستناد عليها كمعيار أساسي لوضع السياسات العامة حتى يتمكن المغاربة من استغلال ثرواتهم والاستفادة منها. فمن منع الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني من التعبير عن رأيه؟ ومن يمنع اليوم نخب المركز من قول الحقيقة حول هذا الموضوع؟
العائق الثاني، هو اللاعدالة مجالية، وهو أن كل العلاقات والروابط الموجودة بين الناس، تتحدد بدرجة أولى بالظروف المادية التي تحيط بالظواهر الفكرية وتؤثر فيها. ولكن العامل الحاسم هنا هو تقنية الإنتاج. وكل تقنية معينة تجر وراءها شكلا معينا للمجتمع. فأي شكل من أشكال المجتمع يمكن الحديث عنه في ظل الفوارق المجالية العميقة بين الجهات والأقاليم؟
* كيف ساهمت كل الحكومات منذ الاستقلال في جريمة تقسيم المغربي إلى مغرب قروي وآخر حضري؟ وكيف بصمت النخبة المركزية المغربية التي تدعي الديمقراطية والحداثة على هذا التقسيم؟
إن قساوة هذا التقسيم، جعلنا ندعو بكل جرأة لتشكيل جبهة مدنية للتنمية الديمقراطية لرد الاعتبار للمغرب القروي وسكان الجبل، لأننا نشعر بالغبن في هذا البلد الذي استحوذت فيه نخب المركز على مكتسبات العهد الجديد، وتحكمت فيها طولا وعرضا طوال عقدين من الزمن، ووظفت لصالحها ميلاد المجلس الوطني لحقوق الإنسان وخطاب أجدير، وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهيئة الانصاف والمصالحة، والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وإصلاح مدونة الأسرة، ووو…
* هل تحمل المسؤولية للحكومات المتعاقبة؟
لن نتستر عن أي مسؤول، لكن من حقنا وواجب علينا كذلك مساءلة من كانوا يدعون تمثيلنا والمقربون منا ومن “عشيرتنا”، ومن حقنا مطالبتهم بالكشف عن نتائج الأوراش التي أداروا رحاها من المال العام، دون أن تترك أي أية آثار على ساكنة المغرب القروي وسكان الجبل..
والعائق الثالث، هو النقص الفظيع في البنيات الأساسية الأربع: التعليم، الصحة، الشغل والسكن.
فمن دون أن نتحدث بلغة الأرقام التي يعرفها الجميع، لازال جزء كبير من المغرب يعيش بعيدا عن الدولة، وجزء منه لا يعرفها. فمن دون نمو اقتصادي وصناعي واجتماعي وثقافي، وبدون مدرسة أو مستشفى أو كهرباء أو ماء صالح للشرب أو سكن لائق أو عمل شريف ومحترم أو تغطية صحية، يصعب الحديث عن العدالة المجالية كمدخل أساسي للعدالة الاجتماعية.
* ما هو مشروعكم؟
حركة قادمون وقادرون-مغرب المستقبل، حركة عابرة للأحزاب والنقابات، لها رؤية استراتيجية وطنية حول التنمية الديمقراطية، وحقوق الإنسان والإيكولوجيا، والثقافة التعددية الثقاقية، والذاكرة المشتركة، والمدرسة العمومية، والعدالة الاجتماعية، والنوع الاجتماعي والشباب، وقضايا أخرى. وسيكون المجلس الوطني الرابع أيام 14 و15 دجنبر المقبل، فرصة للإعلان الرسمي عن كل وثائق وتوجهات ومواقف الحركة، ومناسبة لإحياء الذكرى الثانية لميلاد الحركة.
لو سمحت بهذا السؤال..
تفضل…
* علاقتكم بحزب الأصالة والمعاصرة؟
حركة قادمون وقادرون-مغرب المستقبل، حركة مستقلة عن الأحزاب السياسية، تنتمي لصف المناصرين للمشروع الديمقراطي، وتعمل على توسيع دائرة التعاون والتفاعل مع التنظيمات المدنية في مجال عملها، ومنفتحة على جميع الأحزاب السياسية من خلال الحوار والتواصل وتعزيز القدرات، وتمكين المناضلين والمناضلات من تملك آليات وأشكال جديدة للدفاع عن حقوق الناس وكرامتهم، وتشجيع الديناميات المدنية المواطنة في مجالات التنمية والتعليم والثقاف والبيئة والتكوين والتأطير والتعاون والتضامن والنساء والشباب والخدمات الاجتماعية.
* وباعتباركم من القياديين الكبار السابقين، ما رأيكم فيما يحدث الآن في بيت الأصالة والمعاصرة؟
إن الكيان المغربي كيان متعدد. وكل تعبيراته تقدم اليوم وجهات نظر متعارضة، وفي بعض الأحيان رجعية. وتضم مؤسسات ومجموعات وطنية أو جماعات اشتركت في الماضي بالصراع النيف، وقد تظهر وتصبح بمثابة قوة للتعسف، أو الإقصاء، أو الدفاع عن المصالح الممنوحة.
نتابع بقلق شديد ما يحدث في كل الأحزاب المغربية، بدون استثناء، ونعتبر ما يحدث في بيت الأصالة والمعاصرة جزء من أزمة الفعل ببلادنا، والتي هي جزء لا يتجزأ من أزمة الديمقراطية، وأزمة ما بعد الديمقراطية في عالم ما بعد الليبرالية والاشتراكية والإيديولوجيات.
وأتمنى أن يسود الحوار العقلاني والاحترام بين جميع مكونات الاصالة والمعاصرة لتجاوز الأزمة الحالية، وأتمنى للعديد من الأصدقاء في هذا الحزب كامل النجاح والتوفيق.
* نشرتم مؤخرا ملاحظاتكم “الإيجابية” على هامش تقرير المندوب الوزاري المكلف بحقوق الانسان، ما الغرض منها؟
لن أعيد ما نشرته حول التقرير، فقط أريد التأكيد على شيء مهم يتعلق بشرعية ومشروعية المطالب التي فجرت الاحتجاجات الشعبية بمدينة الحسيمة منذ انطلاقتها. كما لن تفوتني الفرصة للتعبير عن رأيي بكل حرية وديمقراطية في موضوع “التصعيد” الذي ركب عليه “زعماء” الاحتجاج من أجل التنكر لكل القوى المجتمعية وحركاتها الديمقراطية والمواطنة، ورفض كل مبادرات التنسيق والحوار والتفاعل الإيجابي مع الأحداث.
وكل هذا يحتاج اليوم إلى معرفة حقيقة الأحداث وتطوراتها من حيث المضمون والأهداف، للوصول إلى الحقيقة التي قد تدلنا على من تلاعب بالريف وأشعل النار في كل أجزائه؟ ومن استثمر سياسيا في الاحتجاجات الشعبية للمواطنات والمواطنين؟ ومن اختار البحث عن موقع معارض للنظام بأي ثمن؟ ومن حبك المناورة التي تورط فيها الجميع، وذهب ضحيتها أبرياء وشباب وشابات في مقتبل العمر؟
إن الهدف من نضالنا ليس هو زعزعة الاستقرار، بل ما نحلم به هو مغرب يتسع للجميع، مغرب الحق في الثروة الوطنية والعدالة المجالية والبنيات الأساسية. وطن يرد الاعتبار للمغرب القروي وسكان الجبل. وهذا ما يجعلنا نكد ونجتهد للمساهمة في حركة مدنية قوية وديناميكية، قادرة على جعل المصالح الحكومية والسياسات الحزبية عرضة للمحاسبة والمسائلة من أجل خلق بدائل نموذجية للتنمية الديمقراطية، يكون الشباب في طليعتها. ولهذا، نحتاج إلى الوقت لفهم ما جرى في الحسيمة وما جاوره، وأتمنى السراح لباقي المعتقلين.
* ماهي الأدوار التي تقومون بها الآن؟
منذ تأسيسها سنة 2017 وحركة قادمون وقادرون-مغرب المستقبل، تثير وتنبه للإشكالات التي تثيرها أزمة الفعل السياسي والمدني، والتي تبينه بشكل واضح نفور عامة المجتمع من المشاركة في الديمقراطية التمثيلية. كما تحاول الحركة وتحاول اكتشاف عناصر هذه الأزمة وترابطاتها على ضوء المعطيات النظرية والأدوات المعرفية التي تقدمها العلوم الإنسانية والاجتماعية. بهذا المعنى يمكن للحركة أن تنفتح على كل مستجدات البحث للاستفادة من التوظيف النقدي للمفاهيم والأفكار.
ولعل حجم التحدي النظري والعملي الذي نواجهه، هو الذي كان وراء اختيارنا للمقاربة اللامركزية والترابية على المستوى التنظيمي والالتزام بعمل القرب مع المواطنين وتمكينهم من المشاركة في سبيل إقامة مغرب الجهات الموحدة والمتحدة والمتضامنة والمتساوية فيما بينها.
هناك العديد من الأوجه المتعددة والمختلفة لتغيير واقع حالنا، وعلينا أن بذل مجهودا إضافيا وأن نتعاون في تكريس اللامركزية في توزيع وتحمل المهام ذات الطبيعة العامة، والاقتراب من المجتمع المحلي، والتخلص من النخب المركزية التي تربعت على عروش المجتمع المدني منذ أزيد من 30 سنة، ومن مركزية القرار السياسي والقوة المركزية في الرباط.
إننا اليوم ننادي “شيوخ المجتمع المدني” للتجنيد المدني في العالم القروي بين سكان الجبل، لنقل تجاربهم هناك قبل وفاتهم. كما نحث على العمل التطوعي من أجل تمكين المغاربة المحرومين من الثروة والعدالة المجالية والبنيات الأساسية من أجل الاستثمار الاجتماعي الذي يقوم على التمكين الذاتي للناس بشكل كبير.
فإلى جانب التنقيب على الأطر والكفاءات، وإقناع الشباب والنساء للانخراط في هذه الدينامية الوطنية الجديدة، تعمل حركتنا على مناصرة وتأييد حقوق الانسان، والتعاون مع وسائل الاعلام والحلفاء الآخرين في تعزيز وترويج ثقافة الحماية وحقوق الانسان والنهوض بها والوعي الجيد بها.
كما تعمل الحركة على واجهات أخرى، مثل الأنشطة الثقافية والعلمية والاشعاعية والفنية.
* سؤال قد يبدو متشائما، هل التغيير ممكن في المغرب؟
عن أي تغير تتحدثون؟ بلادنا شهدت تغييرات جذرية مؤسساتية واقتصادية واجتماعية وحقوقية على أكثر من صعيد. لكنها لم تستثمر بعد في التعليم، والسؤال الذي يطرح كل المغاربة اليوم، هو من سيقوم برفع هذا التحدي؟
طبعا، مسؤولية الحكومة، بل مسؤولية كل الحكومات التي مرت، ثابتة. لكن يجب أن نقول كذلك الحقيقة جهرا، ونسأل كل القوى المغربية هل لها رؤية أو تصور أو نموذج تعليمي تدافع عنه. !؟
ولهذا، من يحب وطنه وبلده اليوم، يجب أن يستثمر في التعليم. ونعتبر التعليم في حركتنا، هو أساس التغيير، وعدم الإفلات من العقاب يجب أن يطبق مستقبلا بالدرجة الأولى على كل من يخل ويتاجر بالمنظومة التعليمية. ومحاربة الفساد والمفسدين يجب أن تبدأ منذ الغد بتطهير المؤسسات التعليمية والإدارات والأقسام من المتاجرين والمقامرين بمستقبل المغرب.
إن تعزيز وضع المدرس والأستاذ والأستاذ الباحث في عملية صنع القرار والقيادة لمن شأنه العمل على رفع التحديات وديمومة واستمرارية التغيير الإيجابي في المنظومة التعليمية، إذا أردنا تفادي أزمة المستقبل.
هناك تحول عالمي مخيف، فرض نمطا معينا من المجتمعات والثقافات، قائمة على “المعرفة” كمورد أساسي. وهي مجتمعات المعلومات، والفضاء، والقرية العالمية. ونحن لا زلنا نناضل من أجل حقوق المغرب القروي الزراعي الذي لم يصل بعد حتى للمجتمع الفلاحيي.
فنضالنا داخل حركة قادمون وقادرون-مغرب المستقبل، يراهن على تغيير العقليات الكلاسيكية والتقليدية، التي لازالت تحصر حقوق الانسان في الحق في التعبير والتظاهر لأغراض سياسوية ولنخب مركزية.
* كلمة أخيرة..
عالم اليوم يركز على التنوع والجودة والذوق والإنتاج المعرفي، والقدرة على التجاوب مع المتغيرات والتحولات. ومن أجل الركوب في قاطرة مغرب المستقبل، يجب أن نحدث ثورتنا في مناهج التعليم والدخول في مجتمع الموجة الثالثة، والانتقال من الأشياء الملموسة إلى الأفكار المجردة، والعكس كذلك، والنظر للمغرب من زاوية جديدة، وهدم كل الآليات النخبوية المركزية المتخلفة والتقليدية، واستقاء رؤية جديدة تناسب واقع التغييرات المتسارعة وطموحات وتطلعات جميع المغاربة، في إطار الوحدة الترابية والتعددية الثقافية والهوية المغربية والاستقرار والأمن والسلام.