الصحافة _ بقلم : عبد الرحمان عدراوي مدير جريدة الصحافة الإلكترونية
قبل عام من الانتخابات التشريعية، اختار رئيس الوزراء عزيز أخنوش الظهور على التلفزيون الوطني لتقييم أفعاله. وفي صميم تصريحاته: قضية المياه الحاسمة. ادعى أنه ورث “أزمة خطيرة”، واصفًا وضعًا تُهدد فيه الدار البيضاء والرباط بفقدان إمدادات مياه الشرب بعد أشهر قليلة من توليه منصب رئيس الوزراء، بسبب غياب طويل للمشاريع الهيكلية، وخاصة تحلية المياه.
يخفي هذا الخطاب، الذي يبدو دفاعيًا، تناقضًا كبيرًا. أخنوش ليس شخصًا وصل إلى السلطة فجأةً: فقد شغل منصب وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية الريفية لأربعة عشر عامًا متتالية (نعم، أربعة عشر عامًا!)، في ظل أربع حكومات متتالية. شملت مهامه تحديدًا السياسات الريفية والمائية، بالإضافة إلى إدارة صندوق التنمية الريفية، وهو رافعة استراتيجية حقيقية لإعداد المناطق لمواجهة تحديات المناخ. يُضاف إلى ذلك منصبه كزعيم للمبادرة الوطنية للتنمية الريفية (RNI) منذ عام ٢٠١٦، الحزب المركزي في الائتلافات الحكومية على مدى العقد الماضي. بمعنى آخر، لم يكن مجرد متفرج، بل كان لاعبًا أساسيًا في صياغة السياسات العامة.
ومع ذلك، وباختفائه وراء حجة “الإرث الثقيل”، يمارس أخنوش محوًا مزدوجًا: محو مسيرته الشخصية، ومحو المسؤولية الجماعية للحكومات التي كان ركيزةً أساسيةً فيها. تهدف هذه المناورة الخطابية إلى إلقاء العبء السياسي على عاتق الحكومات السابقة، كما لو أنه لم يكن مشاركًا فيها، في حين أن الحقائق ثابتة. لا يُمكن اختزال أربعة عشر عامًا في السلطة في صيغة مُلائمة للتضحية بالمؤسسات.
يُرافق هذا الاندفاع المُتهوّر إصرارٌ على “شفافية” دعوات طرح العطاءات، لا سيما مناقصة محطة تحلية المياه في الدار البيضاء، التي مُنحت لائتلاف مغربي-إسباني. لكن هذا الخطاب يصطدم بشكوكٍ مُستمرة: التقارب بين القرارات العامة والمصالح الخاصة في قطاعٍ استراتيجيٍّ كالمياه. وكون رئيس الحكومة نفسه أحد أكبر الفاعلين الاقتصاديين في البلاد يجعل التدقيق العام الدقيق أكثر إلحاحًا. لا يكفي التذرع بالانتظام الإجرائي: فالنشر الكامل للوثائق التعاقدية، والمراقبة المستقلة للتمويل، والتدقيق الشفاف للقرارات السابقة وحده كفيلٌ باستعادة الثقة.
سياسيًا، تكشف هذه الاستراتيجية عن شكلٍ من أشكال الحوكمة القائمة على إنكار المسؤولية وإعادة صياغة الحقائق. إنها تُوضح اتجاهًا أوسع نطاقًا في النظام: تحويل الإخفاقات الهيكلية إلى إرثٍ مُجرّد، مع تحييد النقاش الديمقراطي بإعلاناتٍ ووعودٍ مُبهرجةٍ ببنيةٍ تحتيةٍ مُستقبلية. لكن الحكم لا يقتصر على افتتاح مشاريع جديدة؛ يتعلق الأمر أيضًا بالإجابة عن تقصير الأمس في اتخاذ القرارات. لا يمكن اختزال الذاكرة العامة في مجرد تمرين تواصل.
وهكذا، تُصبح قضية تحلية المياه، بعيدًا عن بُعدها التقني، بمثابة كشفٍ: إذ تكشف كيف تُدير الدولة الندرة، وتكشف عن العلاقة الغامضة بين المجال السياسي والمصالح الخاصة، وأخيرًا تكشف عن الإغراء المستمر للتهرب من التبعات طويلة المدى للمسؤولية. وفي هذا الصدد، تتجاوز قضية المياه وحدها مسألة الثقة بين الحكومات والمجتمع.