بقلم: محمد بوبكري
يرى بعض الخبراء الجزائريين أن “ديمقراطية الجنرالات” لا نظير لها في العالم، حيث قرر العسكر تمويل الحملة الانتخابية للشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم الأربعين سنة بعد. وهذه قاعدة معكوسة، لأن الأحزاب في البلدان الديمقراطية هي التي تمول الحملات الانتخابية لمرشحيها.
لذلك، فالأمر مختلف في الجزائر، حيث وضع الجنرالات قانونا انتخابيا يستهدف الأحزاب الموالية والمعارضة معا، ما يؤكد أن الجنرالات لا يقبلون بوجود الأحزاب، لأن قانونهم الانتخابي هذا لا يسمح بحصول أي حزب على الأغلبية داخل البرلمان، ويفيد ذلك أنهم خططوا لتشكيل برلمان تتكون أغلبيته من المترشحين المستقلين، الأمر الذي سيمكنهم من التحكم في الخريطة السياسية، لأن الحاكمين يسعون إلى تهميش الأحزاب، لأنهم يدركون جيدا أنه ليست للأحزاب امتدادات في المجتمع الجزائري، لأن العسكر اخترقوها، ما خلق قطيعة بينها وبين الشعب الجزائري الذي صار رافضا للعمل معها، أو في إطارها، لأنه يرى أنها لا تعكس طموحاته، ولا تمثله فكرا، ولا ممارسة، فأبدع الحراك الشعبي السلمي بديلا لها. وبما أن الحراك لا يمثل أغلبية الأحزاب، فإن الجنرالات مستمرون في التحايل على الشعب، بذريعة أنهم سيمولون الحملات الانتخابية للمرشحين الشباب، علما أن أغلبية هؤلاء الشباب، لن يكونوا سوى أرانب سباق لمرشحين مستقلين آخرين سيكونون تابعين للمخابرات التي تم تكليفها باختيارهم. وبذلك، سيتمكن الجنرالات من ادعاء أنهم يشجعون شباب الحراك، والحال أن شباب الحراك قد أعلنوا مقاطعتهم لهذه الانتخابات التي يعون أنها ستكون مزورة كسابقاتها، حيث رفعوا في مسيراتهم شعارات، مثل: “لا انتخابات، مع الجنرالات” “تبون مزور، جابوه العسكر” … هكذا، فإن المخابرات الجزائرية تسعى إلى ترشيح شباب لا علاقة لهم بالحراك، ولا بشعاراته السياسية، ولا بمطالبه، ما يضمن للعسكر التحكم مستقبلا في خريطة البرلمان التي صنعوها مسبقا قبل تنظيم الانتخابات. وما دام الأمر كذلك، فإن المنتخبين سيكونون تابعين للمخابرات الجزائرية، حيث سينفذون قرارات الجنرالات. لذلك، فهم سيمثلون الجنرالات، لا الشعب الجزائري، الأمر الذي سيمكن جنرالات الجزائر من المزيد من التحكم في المجتمع الجزائري، لأنهم سيتمكنون من أن يكونوا أصحاب الأغلبية، التي لن تكون منتمية للأحزاب، لأن البرلمان سيكون عبارة عن فسيسفاء مكونة من الفراغ ، ما سيحول دون أن تكون هذه الأغلبية منتمية للأحزاب، وبالتالي، سيكون البرلمان غير مُسيَّس؛ وتلك هي فلسفة العسكر، الذين صاروا يكرهون الأحزاب ويفضلون المستقلين، لأنه ليس لهؤلاء برنامج سياسي ولا اجتماعي، ولا إرادة سياسية، ولا التزام… لذلك، سيكونون تابعين للجنرالات الذين صنعوهم، لأنهم يكرهون الأحزاب والتعددية السياسية والثقافية؛ فهم يرفضون الاختلاف وكل من يحمل فكرا مختلفا عن فكرهم. وبذلك فهم يرفضون الأحزاب التي لا يمكن بناء الديمقراطية بدونها.
إذا كانت التعددية السياسية شرطا أساسا لبناء الديمقراطية، فإن القانون الانتخابي للجنرالات يؤكد أنهم يرفضون الديمقراطية. ومادام الأمر كذلك، فإنهم قد اختاروا، بإصرار مع سبق الترصد، أن يكون أعداء للديمقراطية.
لقد اختار الجنرالات أن يكرروا تجربة “تبون” وحكومته في صناعة البرلمان والمؤسسات الأخرى؛ فـ “تبون”، وأعضاء حكومته ليس لهم حزب، الأمر الذي صار فلسفة معتمدة من قبل نظام العسكر. فمن مول هؤلاء وفرضهم على الشعب الجزائري؟ إنهم الجنرالات الذين يشتغلون في الخفاء. وهذا ما يؤكد جبنهم وخبثهم، لأن الجبناء والخبثاء هم الذين يشتغلون في الخفاء. ونظرا لكون “تبون” وأعضاء حكومته تابعين، بشكل أعمى، للجنرالات، فإن العسكر قرروا تكرار التجربة نفسها مع البرلمان وكل “المجالس” الأخرى حتى تكون كلها تابعة لهم.
لقد خصص الجنرالات مبلغا زهيدا لكل مرشح للانتخابات يقل عمره عن الأربعين سنة، حيث يرى بعض المتابعين الجزائريين أنه لن يغطي لهم سوى جزء من تكلفة الحملة الانتخابية… تفرض هذه الوضعية الشاذة العديد من الأسئلة المحرقة، من قبيل: باسم من تتم تدخلات الجنرالات؟ وعلى أساس أي قانون استندوا في ذلك؟ ومن نصبهم ليقوموا بذلك؟ ومن وضعهم على رأس الدولة؟ وهل هناك قانون يسمح لهم بصناعة “الرئيس” و”البرلمان”وباقي “المجالس” الأخرى؟…
إن هذه الأسئلة الحقيقية لا تطرحها الأحزاب، ولا الإعلام، لأن الجنرالات يمارسون الرعب على الجميع، ولا أحد قادر على إثارة هذه الأسئلة التي قد يفهمون منها أنها تروم تعرية مكرهم وكشف مؤامراتهم وتحايلاتهم…
يتحدث الجنرالات عن بناء جزائر جديدة، لكن الحراك الشعبي يرى أنه من المستحيل ذلك، ما جعله يعبر عن رغبته في التخلص منهم لأنهم يقرفصون على صدور الشعب الجزائري، الأمر الذي يتعارض وطموح الجزائريين، لأن القمع والنهب، الذي ينهجه “سعيد شنقريحة” وأفراد عصابته يروم العودة بالجزائر الى مرحلة “العشرية السوداء”، وما عرفته من قمع وتقتيل للشعب الجزائري…
ويرى خبراء جزائريون أن الجنرالات يشتغلون من وراء حجاب “مدني” حتى يتنصلوا من مسؤولية ما يقومون به في الخفاء، ما يعني أنهم يتحايلون على الشعب الجزائري حتى لا يكتسب طبيعة القوى السياسية التي تسير البلاد.. ونتيجة ذلك، فإنهم يحتقرون هذا الشعب، لأنهم يتوهمون أنهم استطاعوا تقزيمه وتغييبه…
ولحسن الحظ أن شعارات الحراك الشعبي السلمي الحضاري تثير الأسئلة أعلاه وغيرها من الأسئلة الموجعة للجنرالات، لأنه رفع شعارات سياسية تفضحهم فكرا وممارسة… كما أن رموزه طورت خطابات سياسية تعريهم وتفضحهم…
وخلاصة القول، إن الجنرالات يريدون “رئيسا’ بدون حزب، و”برلمانا” بدون أحزاب، الأمر الذي يؤكد أنهم لا يزالون يصرون على تمسكهم بتكريس عقم المجتمع الجزائري للحيلولة دون بروز نخبة وتنظيمات حزبية حمالة لقيم ديمقراطية حداثية وقادرة على تطوير برامج ومشاريع تؤهلها ديمقراطيا لتدبير شؤون البلاد…