الصحافة _ كندا
في تحرك جديد يعكس ارتباكًا متزايدًا في صفوف داعمي الطرح الانفصالي داخل مجلس العموم البريطاني، وجه النائب المحافظ آشلي فوكس، المعروف بقربه من دوائر التأثير الجزائرية، سؤالين كتابيين إلى وزير الدولة للأعمال والتجارة بشأن موقف لندن من قضية الصحراء المغربية. وهو تحرك يُنظر إليه كمحاولة جديدة من لوبي النظام الجزائري للتشويش على الدينامية المتنامية في العلاقات المغربية البريطانية، وعلى المسار الذي تسير فيه المملكة المتحدة بخطى ثابتة نحو الاعتراف الضمني بمغربية الأقاليم الجنوبية.
تساؤلات النائب البريطاني تمحورت حول التأثير المحتمل لـ”اعتراف المملكة المتحدة بالصحراء الغربية على الشركات البريطانية”، كما استفسر عن وجود مناقشات بين وزارة التجارة ووزارة الخارجية البريطانية بشأن هذا الملف، في ما بدا أنه مسعى لفرملة زخم بريطاني متصاعد نحو تبني مقاربة واقعية تنسجم مع المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
وتأتي هذه التحركات في وقت تعرف فيه العلاقات بين الرباط ولندن دفعة نوعية على أكثر من صعيد، تجلت في مشاريع استراتيجية كبرى أبرزها مشروع الربط الكهربائي بين إقليم أسا الزاك والعاصمة البريطانية، ما جعل المواقف الجزائرية تدخل في حالة من التوتر والارتباك، تُترجم بمحاولات بائسة لإثارة الجدل داخل البرلمان البريطاني.
يرى عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية، أن بريطانيا تتابع عن كثب مخرجات النقاش الدولي حول قضية الصحراء، وتُراكم المؤشرات على استعدادها للذهاب في اتجاه موقف أكثر وضوحا. فالعلاقات الاقتصادية والأمنية المتنامية بين الرباط ولندن، والتفاهم السياسي المتقدم بين البلدين، كلها معطيات توحي بقرب التحاق بريطانيا بركب الدول الداعمة صراحة للمبادرة المغربية.
البلعمشي أوضح أن هذا التحول ليس وليد اللحظة، بل نتيجة لتراكمات سياسية واستراتيجية بدأت منذ توقيع اتفاق “البريكسيت”، الذي جعل المغرب حليفا اقتصاديا مهما لبريطانيا خارج المنظومة الأوروبية. كما أن موقع المغرب كصلة وصل بين إفريقيا وأوروبا يمنحه وزنا جيو-استراتيجيا يجعل مصالح بريطانيا تلتقي بشكل موضوعي مع مصالح المملكة.
من جانبه، يرى الباحث سعيد بوشاكوك أن الحراك البرلماني الأخير في لندن ليس سوى رد فعل انفعالي من طرف النظام الجزائري، الذي لم يستسغ بعد التقدم المغربي في ملف الصحراء، خصوصا بعد تأييد قوى وازنة كواشنطن وباريس للمبادرة المغربية. وأضاف أن المشروع الكهربائي الطموح الذي سيربط الصحراء المغربية بلندن زاد من حدة الارتباك الجزائري، وجعل اللوبيات المحسوبة على النظام العسكري تتحرك بشكل يائس في الفضاءات السياسية الغربية.
وذهب بوشاكوك إلى القول إن الجزائر فقدت تدريجيا كل أدوات التأثير الدبلوماسي الفعال، وباتت تُراهن على مناورات محدودة التأثير، لن تغير شيئا من مسار الأمور. فالمغرب، حسب وصفه، يتحرك بمنطق “البستاني” الذي يزرع بهدوء ويجني النتائج بصبر، فيما الجزائر تواصل التصرف بمنطق “النجار” الذي لا يعرف سوى الصدام والقطيعة.
وفي قراءة أعمق، يرى أستاذ العلاقات الدولية حمدات لحسن أن الموقف البريطاني، وإن لم يُعلن رسميا بعد، يتجه بقوة نحو الاعتراف الضمني بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، والدليل على ذلك هو الحضور المتزايد للاستثمارات البريطانية في مجالات الطاقة والفلاحة والتعدين بالصحراء، دون أن تواجه أي اعتراض من الحكومة البريطانية.
وشدد حمدات على أن تحركات الجزائر الأخيرة مرتبطة بعقود اقتصادية ومصالح غازية، لكنها تبقى دون فعالية أمام منطق الشراكة الحقيقية الذي يتبناه المغرب، خاصة بعد إشادة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا بالمبادرة المغربية ووصفه لها بأنها “جادة وذات مصداقية ومتوازنة”.
وفي الوقت الذي تستعد فيه الحكومة البريطانية للرد على سؤالَي النائب فوكس يوم 5 ماي الجاري، تترقب الأوساط السياسية في لندن وضوحًا أكبر في موقف المملكة المتحدة من هذا الملف الاستراتيجي، الذي لم يعد يقبل الغموض، في ظل التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة.