الصحافة _ كندا
في الجنوب المغربي، تتشكل اليوم نهضة تنموية غير مسبوقة تعكس تحولاً عميقاً في الرؤية الاستراتيجية للدولة تجاه أقاليمها الجنوبية، حيث لم يعد الأمر يتعلق بتدبير سياسي لنزاع إقليمي، بل بمشروع حضاري واقتصادي كامل يعيد رسم موقع المغرب في محيطه الإفريقي والأطلسي.
الرؤية الملكية القائمة على تثبيت السيادة بالإنجاز جعلت من الصحراء المغربية ورشاً مفتوحاً للتنمية المندمجة، حيث تنتقل المملكة من مرحلة الدفاع السياسي إلى مرحلة البناء الاقتصادي.
وما عبّر عنه رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان بكون “الأقاليم الممتدة من كلميم إلى الكركرات شهدت ثورة تنموية حقيقية” هو تلخيص لمسار سنوات من العمل الميداني المكثف.
فالقرار الأممي 2797 الذي وصف الحكم الذاتي بأنه الحل الواقعي والعملي، عزز موقع المغرب ودفع نحو تسريع وتيرة التنمية بالجنوب، بما يجعل الاندماج الاقتصادي والاجتماعي لهذه الأقاليم داخل النسيج الوطني واقعاً يومياً ملموساً.
وتظهر قوة هذا التحول في تعدد المشاريع التي باتت ترسم ملامح اقتصاد جديد في الجنوب.
فالمجال الفلاحي يعرف إطلاق 55 مشروعاً تجاوزت قيمتها 4.9 مليارات درهم، إلى جانب مشاريع كبرى لمعالجة المياه وضمان الأمن المائي، وفي مقدمتها محطة تحلية الداخلة التي ستوفر 37 مليون متر مكعب سنوياً بطاقة تعتمد على الرياح، في خطوة تضع المنطقة في قلب الثورة الطاقية النظيفة.
التعليم بدوره يشهد دينامية لافتة ببرامج تستهدف آلاف التلاميذ في الداخلة والعيون وكلميم، وبعمليات تأهيل واسعة لمؤسسات التعليم، سعياً لخلق جيل يتماشى مع رهانات الجهوية المتقدمة ومشروع التنمية المتواصل.
وفي الصحة، يجري الاستعداد لميلاد قطب طبي جامعي جديد عبر المستشفى الجامعي محمد السادس بالداخلة، الذي سيفتح أبوابه سنة 2027 بطاقة 300 سرير، وبمرافقة كليات للطب والتمريض والهندسة الحيوية، ما سيجعل من الداخلة مركزاً طبياً جامعياً يخدم الأقاليم الجنوبية والمناطق المجاورة بإفريقيا الغربية.
أما البنية التحتية، فهي العمود الفقري لهذا التحول. مشروع الطريق السريع تزنيت–الداخلة بميزانية 10 مليارات درهم، يربط شمال المملكة بجنوبها عبر 1050 كيلومتراً من الطريق العصرية، ويشكل محوراً تجارياً استراتيجياً لنقل السلع وتعزيز المبادلات.
ويتكامل هذا الورش مع ميناء الداخلة الأطلسي، الاستثمار الأضخم في تاريخ الجنوب، الذي يفوق مليار يورو، والذي سيضع الأقاليم الجنوبية في قلب حركة التجارة الدولية بين أوروبا وإفريقيا والأمريكتين، بطاقة تناهز 35 مليون طن سنوياً، وبنية تؤسس لاقتصاد بحري جديد ومتكامل.
هذه المشاريع ليست منفصلة، بل أجزاء من رؤية واحدة: نقل نموذج النجاح الصناعي لطنجة المتوسط إلى الجنوب، وتحويل الصحراء المغربية إلى قطب اقتصادي إفريقي حديث, يقوم على الاستدامة والعدالة الاجتماعية والتكامل الجهوي.
إن ما يجري اليوم في الأقاليم الجنوبية لا يعبّر فقط عن نجاح مقاربة التنمية، بل يؤكد أن المغرب يسير نحو ترسيخ نموذج فريد في القارة، يجمع بين السيادة والتنمية، وبين الاستثمار والاستقرار، وبين القوة الناعمة والحضور الفعلي على الأرض.
فإذا كان الشمال قد صنع معجزة طنجة المتوسط، فإن الجنوب يبني اليوم ملحمة الداخلة الكبرى… والمسار مستمر.














