بقلم: محمد بوبكري
يلاحظ المهتمون بالشأن العام الجزائري أن الصحافة الدولية قد انخرطت في مسلسل نشر فضائح النظام الجزائري، الواحدة تلو الأخرى، لأنه لا يكف عن ارتكاب الجزائر في حق الشعب الجزائري وكذا في حق دول الجوار. فبعد افتتاحية صحيفة “لوموند Le Monde ” الفرنسية التي وجهت صفعة قوية لنظام الجنرالات الجزائري، حيث عرضته لصدمة قوية، كادت تفقده وعيه من جراء النقد الذي وجهته إليه، فقام هؤلاء الجنرالات بتكليف السفير الجزائري في باريس بالرد على هذه الصحيفة، فصار هؤلاء محط سخرية في الأوساط الإعلامية الفرنسية، لأن هذا السفير استعمل كلاما غير مقبول… في يوم 8 يونيو نشرت يومية “لاتريبون La Tribune”، المؤثرة في الأوساط السياسية الفرنسية، مقالا تحليليا لخبير فرنسي في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورد فيه أن السلطة الجزائرية قد اعتمدت إستراتيجية قائمة على القمع تجاه الحراك الشعبي، والتي ستؤدي، بدون شك، إلى الرفع من نسبة مقاطعة الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 12 يونيو، حيث يقول هذا الخبير إن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 2017 قد بلت %38 من الكتلة الناخبة. أما بالنسبة لنتائج الاستفتاء على الدستور، الذي تم تنظيمه في سنة 2019، فقد بلغت نسبة المشاركة %23 من الكتلة نفسها. وقام كاتب هذا المقال باستنتاج منطقي، حيث أشار إلى قوة الحراك الشعبي وسعة انتشاره، واستخلص أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة لن تتجاوز %20. ويبدو لي أن هذا الاستنتاج متفائل، لأن هناك ولايات قررت عدم المشاركة في هذه الانتخابات، أضف إلى ذلك أن الدعوات المكثفة لمقاطعتها قد تجعل نسبة المشاركة أقل مما استنتجه هذا الخبير.
لقد تم نشر هذا المقال في سياق ما نشرته صحف غربية أخرى إسبانية وبريطانية، حيث نشرت صحيفة “الإندبنديت Independent” البريطانية مقالا ورد فيه أنه في الوقت الذي تستعد الجزائر للذهاب إلى صناديق الاقتراع، نلاحظ لجوء حكام الجزائر إلى التصعيد الواضح لقمع الحراك الشعبي بشراسة، ما سيؤثر على نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، حيث من المنطقي أن يدفع القمع الجزائريين إلى مقاطعة الانتخابات، لأنهم سيرفضون كل ما سيأتي من السلطة التي ترد على مطالبهم بالقمع والاحتجاز والاعتقال… كما أشاد كاتب هذا المقال إلى سلمية الحراك الشعبي وحضاريته، وأشار إلى نزول أغلبية الشعب الجزائري إلى الشارع للاحتجاج ضد نظام العسكر وسياساته وعنفه، الأمر الذي سيرفع من نسبة مقاطعة الانتخابات.
هكذا، يبدو لي أنه من الغباء أن يقوم حكام الجزائر بممارسة العنف ضد الحراك الشعبي، لأنهم لا يدركون أن ذلك سيدفع الشعب الجزائري لمقاطعة الانتخابات التي يعلق جنرالات الجزائر آمالا على نجاحهم في تنظيمها…
فضلا عن ذلك، عندما أعلن الرئيس الفرنسي “إمانويل ماكرون” عن استعداده لبذل أقصى جهده لمساندة “عبد المجيد تبون”، عبر حكام الجزائر عن إعجابهم بهذا الكلام الذي نشرته الصحافة الغربية في حينه. وفي مقابل ذلك، نجد أن هؤلاء الحكام ينزعجون كثيرا من النقد الذي يتم توجيهه إليهم من قبل مختلف وسائل الإعلام الغربي، حيث يفسرون ذلك بأن هناك لوبيات استعمارية وراء ذلك. وما لا يعيه هؤلاء هو أن الشعب الجزائري، الذي يعتز بثورة التحرير الجزائرية، قد بات يعي أن الجنرالات يقودون ثورة مضادة لحركة التحرير، وهم نقيضها، حيث يدرك الجزائريون أن حكام الجزائر هم مجرد امتداد للاستعمار وعينه التي تراقبهم وتحمي مصالحه في بلادهم… هكذا، فإن حكام الجزائر يكيلون بمكيالين، حيث يسرهم توجيه المديح إليهم، ويصابون بالحزن والسعار عندما يوجه النقد إليهم، ما يؤكد أنهم يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، الأمر الذي يعكس عقليتهم الاستبدادية، التي لا تقبل النقد، ولا الاختلاف، ولا الآخر.
تبعا لذلك، يبدو أن هناك إجماعا للصحافة الغربية ضد سياساتهم وممارساتهم، ما يؤكد إجماع الرأي العام العالمي على صحة النقد الموجه إليهم من قبل الشعب الجزائري، يمنح شرعية لمطالبه، التي عبرت عنها شعارات حراكه السلمي…
وعندما يقال لحكام الجزائر وأزلامهم: لماذا يوجه إليكم النقد من كل جانب؟، فإنهم يردون بأن ذلك ناجم عن مساندتهم للقضية الفلسطينية! ولكن عندما نبحث في أشكال مساندتهم لهذه القضية، نجد أنهم لا يقومون بأي شيء لصالحها، ما يفيد أنهم يريدون، كعادتهم، المتاجرة بها لتلميع صورتهم، التي صارت ملطخة، ولن يمكنهم أبدا تلميعها. لقد تعودوا على المتاجرة بآلام الناس، حيث افتعلوا مشكلة الصحراء المغربية، واعتقلوا الصحراويين المغاربة في مخيمات تندوف، وجلوهم عرضة للبرد القارس وحرارة الصيف، كما أنه لا ماء لهم، ولا غذاء، ولا كهرباء، ولا حقوق. وقد ارتكبوا هذه الجريمة باسم ” تقرير المصير”، حيث صار هؤلاء الصحراويين المغاربة معتقلين في مخيمات تندوف منذ 1975 إلى اليوم، فباتوا أقدم المعتقلين في تاريخ البشرية، لأن عصابات البوليساريو وجنرالات الجزائر يعذبون كل من احتج منهم على أوضاع الجحيم السائدة في هذه المخيمات. لذلك، يجب تحريك الضمير العالمي من أجل أن يعمل المنتظم الدولي على أن يضمن لهؤلاء المعتقلين الغابرة في مخيمات تندوف التمتع بـ “حق تقرير المصير؛ أي تمكينهم من الاختيار بين البقاء هناك، أو العودة إلى وطنهم المغرب. أضف إلى ذلك أن جنرالات الجزائر قد حرموا الشعب الجزائري من كل حقوقه، بما في ذلك الحق في الماء، حيث صار الجزائريون مهددين بالموت عطشا، دون أن يبدو أن الجنرالات سيجدون حلا لهذه المشكلة. فضلا عن ذلك، تؤكد شعارات الحراك الشعبي أن الجزائريين يريدون التمتع بحق تقرير، ما يرفضه الجنرالات الذين يمارسون العنف بشتى أنواعه على الشعب الجزائري، كما أنهم نهبوا خيراته، الامر الذي أدى إلى تفقيره وتجويعه وتجهيله …