الصحافة _ وكالات
رغم خبرتهم السابقة في حروب اليمن “الفاشلة”، لم يتوقع المسؤولون العسكريون والسياسيون بالسعودية أن يتحول التدخل إلى ورطة كبرى تكلفهم الكثير على الصعيد العسكري والاقتصادي، واستنزاف مستمر، ولا سيما مع إصرار الحوثيين على إثبات طول نفسهم.
وتختلف التقديرات بشأن الخسائر السعودية جراء الحرب التي دخلت عامها الرابع دون أفق واضح للحسم العسكري، لكن معظم الأرقام والتقديرات تؤكد انعكاساتها السلبية الكبيرة على الاقتصاد السعودي، وبالتالي على الوضع الاجتماعي والسياسي.
وزاد الحوثيون الضغوط مع نقل المعارك إلى الداخل السعودي عبر اختراقهم الحدود الجنوبية في المملكة في جازان وعسير ونجران وهجماتهم المتكررة التي تحولت إلى نزيف مستمر للقوات السعودية على الصعيد البشري والمادي، أو تركيزهم على استهداف مواقع إستراتيجية سعودية بالصواريخ البالستية.
السلاح الأمضى
وأطلق الحوثيون سبعة صواريخ في اليوم الأول من العام الرابع للحرب نحو مواقع مختلفة من المملكة لتأكيد قدرتهم على الاستمرار فيها، وليرسلوا رسالة للرياض عن استحالة الحل العسكري واستمرار استنزافها.
فوفقا لبعض التقارير، تبلغ تكلفة صاروخ الباتريوت ثلاثة ملايين دولار، ويستلزم إسقاط صاروخ بالستي ثلاثة صواريخ باتريوت على الأقل، أي أن اعتراض سبعة صواريخ يكلف 21 مليون دولار أو أكثر (نحو 79 مليون ريال).
واستهدف الحوثيون منذ مارس/آذار 2015 المواقع السعودية بمئات الصواريخ قصيرة المدى، ونحو 100 صاروخ بالستي، إضافة إلى الطائرات المسيرة التي يبلغ سعرها بضع عشرات أو مئات من الدولارات، لكن إسقاطها يكلف الخزينة السعودية ملايين الدولارات.
وتضطر المملكة لتجديد ترسانتها من الصواريخ الاعتراضية أو تغييرها بمبالغ طائلة، وقد اتفقت مؤخرا على شراء صواريخ “أس 400” من روسيا ومنظومة “ثاد” من الولايات المتحدة. كما أن صواريخ الباتريوت المنشورة على نطاق واسع بمواقع عديدة من المملكة تكلف عمليات صيانتها مئات الملايين من الدولارات.
وتشير تقارير سعودية إلى أن تكلفة الطائرات المشاركة بالحرب تصل إلى نحو 230 مليون دولار شهريا، تشمل التشغيل والذخائر والصيانة أي أكثر من ثمانية مليارات دولار في ثلاث سنوات.
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت قوات التحالف بقيادة السعودية أن عدد الطلعات الجوية التي نفذها طيرانه في اليمن بلغت أكثر من 90 ألفا، وبالتالي تكون تكاليف الضربات الجوية قد بلغت خلال عامين ما بين سبعة مليارات وتسعة مليارات، إذ تترواح تكلفة الطلعة بين 84 ألفا و104 آلاف، وهي تكلفة الطلعة بمقاييس القوات الجوية الأميركية.
وتشير فورين بوليسي إلى أن نفقات قمرين اصطناعيين للأغراض العسكرية بلغت 1.8 مليار دولار دولار في الأشهر الستة الأولى للحرب، بينما تبلغ تكلفة طائرة الإنذار المبكر (أواكس) 250 ألف دولار في الساعة، أي 1.08 مليار دولار سنويا.
وفي حين ذهبت مجلة التايمز البريطانية إلى تقدير تكلفة الحرب بنحو 200 مليون دولار يومياـ أي 72 مليار دولار سنويا و216 مليار دولار في ثلاث سنوات، تشير مصادر أخرى إلى أن المبلغ أكبر بكثير، وتقدره فورين بوليسي بنحو 725 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى فقط منها الصفقات العسكرية للمملكة.
فخ اليمن
وفي متغيرات الحرب غير المحسوبة، تشير التقارير أيضا إلى تعاظم خسائر المملكة في الحد الجنوبي، حيث يشن الحوثيون هجمات مستمرة على مواقع في محافظات عسير وجازان ونجران، ويطلق الحوثيون بين 20 و500 قذيفة يوميا (حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي) على مواقع سعودية بهذه المناطق، كما احتلوا أجزاء منها.
وبناء على هذا الواقع الميداني توقف عمل معظم الشركات الصناعية والتجارية في المنطقة الجنوبية. كما دفعت المواجهات إلى إخلاء نحو 10 قرى ونقل أكثر من 7000 شخص من مناطق حدودية وإغلاق أكثر من 500 مدرسة، بما يعنيه ذلك من خسائر كبيرة.
وكانت صحيفة واشنطن بوست قد قدرت الخسائر البشرية للمملكة في المناطق الجنوبية بنحو 2500 جندي، و60 ضابط صف ومن الرتب العليا. وأشارت إلى أنه تم تدمير نحو 650 دبابة سعودية بمناطق نجران وجازان وعسير، ومئات العربات الأخرى.
وتمثل المعارك في هذه المحافظات الحدودية نزيفا حقيقيا للجيش السعودي، وترفع تكلفة الحرب على اليمن بمئات ملايين الدولارات، إضافة إلى أن الخسائر البشرية الكبيرة فيها تحرج بشكل كبير ولي العهد محمد بن سلمان، باعتبار اليمن “حربه الخاصة” التي بدأها عندما تسلم منصبه وزيرا للدفاع.
وهذا الاستنزاف المستمر في الحد الجنوبي للسعودية أو في اليمن نفسه رفع بشكل كبير من موازنة التسلح السعودية وجعلها الزبون الأول عالميا، حيث أبرمت العام الماضي صفقة شراء أسلحة مع واشنطن بقيمة 100 مليار دولار وقد تصل إلى 350 مليار دولار خلال عشر سنوات، وصفقات أخرى مع فرنسا وألمانيا والصين وروسيا.
وتستنزف الخسائر العسكرية في اليمن احتياطي الدولة من النقد الأجنبي بشكل غير مسبوق، إذ انخفض إلى 487 مليارا في يوليو/تموز 2017 بعد أن كان 737 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2014، وزاد الإنفاق العسكري بنحو 22.6 مليار دولار في العام الأول من حرب اليمن، مقارنة بعام 2013.
واعتمدت المملكة على الاقتراض في خطوة نادرة وعلى رفع الضرائب والأداءات والأسعار والرسوم على العمالة الوافدة، مما أدى إلى متغيرات غير مسبوقة في الحالة الاجتماعية التي ارتبطت أيضا بتحولات دينية وسياسية قادها ولي العهد.
وتشير التقديرات إلى أن النفقات العسكرية تبلغ 83 مليار دولارمن الموازنة العامة المقدرة بنحو 261 مليار دولار عام 2018، أي ثلثها، بينما يقدر العجز المتوقع بنحو 52 مليار دولار.
وفي تداعيات كل ذلك، يرى الكاتب روجر بويز في مقال بصحيفة التايمز البريطانية أن إيران عن طريق الحوثيين نصبت فخا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأن جعلت اليمن فيتنام السعودية؛ لتستنزف مواردها وتحيلها إلى حطام، على حد قوله.
ويرى أن اليمن أضحت “مسألة وجود” لآل سعود وولي العهد نفسه الغارق في مستنقع حرب اليمن، وكان له تأثير مدمر لصورته ولمستقبل السعودية نفسها، وفق تقديره.
مقاربة الكاتب البريطاني هذه تشير إلى أن هذه الحرب -التي طالت بتكاليفها الهائلة وأبعادها الإقليمية وصعوبة حسمها- تنهك السعودية وتستنزف من هيبتها كدولة، ومن رصيدها على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وهو ما قد يجعلها أحرص من الحوثيين على ألا يستمر نزفها حتى أواخر عام رابع.