الصحافة _ كندا
بعد أكثر من ستين عاماً على المرافعة الشهيرة للملك الراحل الحسن الثاني داخل الأمم المتحدة دفاعاً عن حق الصين الشعبية في مقعدها الدولي، تعود الرباط وبكين اليوم لنسج خيوط تحالف استراتيجي يزاوج بين إرث سياسي عريق وطموحات اقتصادية وصناعية واعدة.
تقرير لمجلة The Africa Report أبرز أن زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى بكين منتصف شتنبر 2025 شكّلت لحظة مفصلية، حيث أطلق مع نظيره الصيني وانغ يي حواراً استراتيجياً جديداً شمل مراجعة اتفاقية 1995 الخاصة بحماية الاستثمارات، مع الدفع نحو شراكات صناعية وبنية تحتية، وتعاون ثلاثي يخدم إفريقيا.
هذا التقارب، كما يذكر التقرير، ليس طارئاً بل يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حين كان المغرب ثاني دولة عربية وإفريقية تعترف بالصين الشعبية سنة 1958، قبل أن يوجه ولي العهد آنذاك، الحسن الثاني، خطاباً مؤثراً أمام الجمعية العامة عام 1960 تساءل فيه: “هل من العدل أن يُحرم 600 مليون نسمة من تمثيلهم داخل هذه المنظمة؟”. وهو الموقف الذي مهد لاحقاً لزيارة رئيس الوزراء الصيني شو إن لاي إلى المغرب عام 1965.
اليوم، تعزز بكين حضورها في المملكة كأحد أكبر المستثمرين، إذ قفزت خلال عقد من المرتبة 13 إلى المرتبة الثالثة، بحجم تبادل تجاري يقارب 10 مليارات دولار سنوياً. وتشمل الاستثمارات الحالية مصنعاً للألومنيوم الأخضر بـ3 مليارات دولار، ومشروعاً مشتركاً للجرف الأصفر بـ2 مليار دولار لإنتاج مواد بطاريات الليثيوم، إلى جانب مشروع “غوشيون هاي-تيك” الضخم في القنيطرة (5.6 مليارات دولار) لإنشاء أول وأكبر مصنع للبطاريات الكهربائية في إفريقيا بطاقة إنتاجية أولية 20 غيغاواط في 2026.
التقرير لفت إلى أن ملفات مثل الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والسيارات الكهربائية والرقمنة، تشكل محوراً أساسياً في هذه الشراكة، بما ينسجم مع رؤية المغرب للتحول إلى قطب صناعي يخدم أوروبا وإفريقيا. كما يظل الفوسفاط ورقة استراتيجية في العلاقة، فالصين، التي قد تنضب احتياطاتها خلال أربعة عقود، ترى في المغرب صاحب أكبر احتياطي عالمي شريكاً استراتيجياً لضمان أمنها الغذائي.
أما سياسياً، فيبقى ملف الصحراء المغربية محورياً، إذ رغم تمسك بكين تاريخياً بما تسميه “الحياد الاستراتيجي” تجاه الخلاف المغربي الجزائري، إلا أن لغتها الدبلوماسية باتت تميل تدريجياً إلى مقاربة الرباط، مع استعمال عبارات مثل “حلول واقعية ومعقولة”، التي تتقاطع مع مبادرة الحكم الذاتي المغربية.
ويرى خبراء استراتيجيون أن الصين، التي تخطط بمنطق القرون لا السنوات، تجد في المغرب شريكاً آمناً يتمتع باستقرار سياسي وموقع جغرافي استراتيجي، يجعله بوابة لمبادرة “الحزام والطريق” في شمال إفريقيا، ومنصة للانفتاح على فضاء الساحل وإفريقيا الغربية، في وقت يتراجع فيه النفوذ الغربي بالمنطقة.














