الصحافة _ وكالات
“حراك الريف”، قضية ليست بالقديمة، فعمرها لا يتجاوز ثلاث سنين، وقصة منطقة ليست بالعابرة، ولا يمكن تلخيصها، فلكل ريفي قصة يحكيها، فقصصهم طويلة الحكي، وغابرة في التاريخ، مُنذ ما قبل الاستقلال. وتقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، (رسمي)، الذي صدر الإثنين، حول الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها منطقة الريف في شمال شرق المغرب، في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، والتي عرفت بـ«حراك الريف»، للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، أدى إلى سجال في الحقل الحقوقي، وأعاد النقاش حول ما وقع بالريف منذ أكثر من ثلاث سنين.
في هذا النقاش، وجهت أصابع الاتهام للمجلس بـ«التماهي مع الأطروحة الرسمية للدولة، بعيداً عن الرصد كما هو متعارف عليه حقوقياً»، كما «دق آخر مسمار في نعش حقوقية المجلس»، حسب ما يراه معظم الحقوقيين الذين استشارتهم «القدس العربي».
ظلمٌ بلغة حقوقية
هذا التقرير يضم 400 صفحة وتم تلخيصه في 60 صفحة، والذي أخذ «أشهراً طويلة ومضنية من الاشتغال، سواء على مستوى التحريات أو على مستوى التحقق من المعلومات وتقاطعها»، وفق ما جاء في ملخصه، تقول عنه رئيسة المجلس، أمينة بوعياش: «قررت الانكباب على تداول المعطيات ذات الصلة بحقوق الإنسان، وذلك بتعيين فريق لمتابعة نشر المعلومات وتدقيقها مع ما جرى في الواقع، فوقف الفريق على وجود معلومات ذات طبيعة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تم تداولها بشبكات التواصل الاجتماعي، لكن ليس لها أي علاقة بما جرى في إقليم الحسيمة، وهذا ما يصطلح عليه أخبار زائفة أو تضليل».
ووصفت عائلات معتقلي «حراك الريف» ونشطاء التقرير بأنه «غير منصف ويضم مغالطات» قال المعتقل نبيل أحمجيق، على خلفية الحراك والمحكوم عليه بـ20 سنة سجناً نافذاً، إنه «سيرد على «المغالطات والافتراءات» التي يتضمنها التقرير»، بحسب ما أعلن عنه شقيقه.
وأوضح محمد أحمجيق، شقيق نبيل، في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، مساء الإثنين، أن شقيقه اطلع على بعض الملاحظات الأولية لتقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأنه «وبعد تواصله مع شقيقه عبر الهاتف، أصر نبيل أنه سيرد على المغالطات والافتراءات التي ذهب إليها التقرير المنحاز للرواية الأمنية ريثما يطلع عليه بشكل كامل»، وقال محمد أحمجيق إن «شقيقه نبيل بالكاد يتكلم نتيجة مضاعفات الإضراب المفتوح عن الطعام الذي يخوضه والذي وصل اليوم لعشرين يوماً».
ويرى حقوقيون أن التقرير ذاته يتضمن أخباراً زائفة وتضليلاً للحقيقة، وتقول سارة سوجار، لـ«القدس العربي»: «لنفترض جدلاً أن كل ماذكرته السيدة بوعياش في تقريرها الأخير صحيح بمراحل الاحتجاجات، العنف، التحريض على الكراهية، تفويت فرصة الحوار وعرقلة العبادة، هل كانت ستصل الأحكام بإثباته عشرين سنة نافذة؟».
وتضيف الناشطة الحقوقية أن «من تابع المحاكمات يعلم أنه لا يوجد دليل واحد من الدلائل التي عرضت كالفيديوهات، المحاكمات، التدوينات وغيرها، على المحكمة تظهر أن واحداً من المعتقلين الذين توبعوا بهذه التهم حمل حجراً، أو حرض علانية وبشكل مباشر على العنف». وترى أن ملف «حراك الريف» فيه «الكثير مما يقال»، مشددة على أن «الصمت كان أرحم من إعادة ظلم المعتقلين بلغة حقوقية» و»تمت شيطنة الحراك بطريقة حقوقية، بعدما تمت شيطنته دينياً -خطبة الزفزافي- وسياسياً ببلاغ الانفصال -بلاغ الحكومة- وقانونياً وقضائياً بالأحكام، إنسانياً باتهام عائلات المعتقلين بخدمة أجندات خارجية، وها هو تقرير بوعياش يزيد فتح الجرح بمشرط حقوقي».
وخلصت سوجار: «لتعلم السيدة أمينة بوعياش أنه اليوم العشرون لإضراب المعتقلين عن الطعام، من أجل مطالب بسيطة من أجل تحسين ظروفهم في السجن، وأنهم رفضوا مطالب الزيارة والمكالمة والفسحة والتجميع فكيف لهم أن يستجيبوا لمطالب تحقيق التنمية والديمقراطية… إنهم حقاً يفوتون الفرصة عن أنفسهم في كل مرة».
انحياز للرواية الأمنية
رئيسة «المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، قالت أثناء تقديم خلاصات هذا التقرير، خلال لقاء احتضنه مقر المجلس، يوم الأحد الماضي بالرباط، قالت إن «المجلس لن يتفاعل مع المزايدات التي ستعقب نشر الوثيقة». ومقابل ذلك يقول الحقوقي، خالد البكاري، لـ«القدس العربي»، إن بوعياش «تنهج أساليب الردع القديمة، وسياسة الهروب»، مشدداً على أن «تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص حراك الريف، ليس احترافياً» وأنه بعد قراءة ملخص التقرير، «فهمت لماذا قالت السيدة بوعياش إن المجلس لن يرد على المزايدات، ببساطة لأن هذا التقرير يسهل دحضه من أي مراقب لما وقع في هذا الملف… ويكفي أن عدم إشارتها لما تم ترصيده في عهد سلفيها اليازمي والصبار اللذين واكبا الأحداث منذ بدايتها لحين انطلاق المحاكمات دليل أنها بدأت متأخرة بعد أن كان الملف قد تم توظيبه أمنياً وقضائياً بما يخدم الجهة الأمنية التي دبرته».
ويؤكد أن من بين ما يشوب التقرير «أخطاء فظيعة في أسماء المعتقلين، أخطاء في كرونولوجيا الأحداث، الحديث على أن السلمية استمرت من تشرين الأول/ أكتوبر 2016 إلى آذار/ مارس 2017، وقد ساهم رمضان حسب التقرير في ذلك، في حين أن رمضان كان في شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو».
وأشار البكاري إلى أن «جرد الخسائر في صفوف القوات الأمنية اعتماداً على تصريح محامي الطرف المدني، وليس على بيانات رسمية، في حين أنه كان على معدي التقرير تكليف نفسهم والتقصي من المصدر».
وتساءل الحقوقي، في حديثه لـ«القدس العربي»، حول سر «إغفال التقرير أحداثاً مفصلية من قبيل تسريب فيديو حاط بالكرامة الإنسانية لناصر الزفزافي داخل مقر الفرقة الوطنية»، وعن «التمييز في إيراد البيانات الخاصة بالتعذيب والعنف بين أفراد القوة العمومية والمعتقلين، بحيث تم الاستماع مباشرة لإفادات عناصر الشرطة، فيما اكتفى التقرير بخصوص المعتقلين على بيانات تقارير المجلس والمحاضر دون الاستماع مباشرة للمعتقلين».
وأضاف البكاري، في تساؤله: «الاعتماد في نقاش معايير المحاكمة العادلة على ما وقع في محاكمة البيضاء، وإغفال المحاكمات التي جرت بالحسيمة والناضور، والتي شهدت خروقات لهاته المعايير في غياب المراقبين والملاحظين والإعلام الوطني والدولي».
وأشار إلى «الإصرار على رفض مصطلح حراك الريف، وتعويضه باحتجاجات الحسيمة بمبررات واهية، مع العلم أن الاحتجاجات كانت بأقاليم الحسيمة والدريوش والناضور، وأن المعتقلين توزعوا على كل هذه الخريطة، بل إن من أبرز معتقلي الحراك نجد صلاح لشخم، والذي توبع بناء على ما وقع بتالا رواق… كما أن رقعة الحراك امتدت للدياسبورا الريفية في الخارج».
وأكد البكاري أن «انحياز التقرير للرواية الأمنية يظهر بوضوح في تغاضيه عن أحداث تكسير أبواب المنازل في إمزورن، وإيراد رواية غريبة تبرر مقتل الشهيد عماد العتابي، دون الإشارة إلى أن الشاهد الوحيد على مقتل العتابي تم اعتقاله لاحقاً، وأنه يستحيل منطقياً قبول أن الوفاة كانت بسبب شظايا الرصاص الذي كان موجهاً للأرض، مع تسجيل أن كل تصريحات وزير الدولة الرميد ووزير الداخلية كانت تنفي استعمال القوات العمومية للأسلحة النارية» وأن التقرير حاول «وصم خطابات قادة الحراك بالعنصرية ونشر العنف والكراهية انطلاقاً فقط من ثلاث جمل مجتزأة من سياقها، وهذا يعد كذلك فعل تضليل».
وقالت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن تقرير المجلس حول حراك الريف «شامل ونتاج عمل طويل ودقيق وميداني».ولكن، في ما أسماه بـ»ملاحظة عامة»، يقول الخبير الحقوقي، عزيز إدامين، عكس ذلك، ويرى أن التقرير «خلط الشرق بالغرب، لأنه يحتوي على ثلاثة موضوعات متفرقة، ولكل موضوع منهجيته ومرجعيته». وإن المجلس «غامر منهجياً بدمج ثلاثة موضوعات في تقرير واحد»، وشبه ذلك بـشحادثة سير مروعة».وأضاف إن الموضوعات الثلاثة هي «دينامية ما وقع في الريف، من ناحية كرونولوجية وحقوقية، لها أدواتها ومقارباتها المستقلة، أما التقرير حول التعذيب، فله منهجيته المستقلة والتي تستند أساساً إلى بروتوكول إسطنبول، ولا يمكن اعتبار إدعاءات التعذيب مجرد فرع أو محور داخل التقرير كاملاً، لأن التعذيب جريمة خطيرة وجب تخصيص تقرير مستقل لها، وأما ملاحظة المحاكمة، فلها هي الأخرى منهجية مستقلة ومتفردة».
خلط الموضوعات الثلاثة في تقرير واحد، كما يؤكد إدامين «ستكون نتائجه غير مقنعة، لأنه سيتم التعسف على موضوع دون المواضيع الأخرى». وأن مضمون التقرير «كان متوقعاً وغير صادم». وفي رده على ما وصفته بالمزايدات، قال إدامين إن السيدة رئيسة المجلس «تتقاضى راتبها من المال العام، والمجلس مؤسسة دستورية، وسنناقشها، أرادت هي ذلك أم لم تُرد».