الصحافة _ كندا
على بُعد أشهر قليلة من استحقاقات 2026 التشريعية، تشهد الساحة السياسية المغربية حراكاً محموماً يتمثل في موجة استقالات وتنقلات حزبية متسارعة، لم تعد محصورة في حالات فردية أو ردود فعل معزولة، بل غدت ظاهرة متكررة تفرض نفسها على المشهد، خاصة وأنها تأتي في لحظة سياسية بالغة الحساسية.
هذه التحركات، التي تُسوَّق للرأي العام باعتبارها دينامية طبيعية أو علامة على حيوية التعددية، تكشف في عمقها عن تكتيكات مدروسة لإعادة رسم الخريطة الحزبية، وإضعاف بعض الكيانات لصالح أخرى، أو إعادة توزيع الأدوار بما يخدم مصالح دوائر ضيقة. والنتيجة، كما تُظهر التجربة، ليست إنتاج مشهد سياسي متجدد، بل إعادة تدوير نفس الوجوه والخطابات والممارسات التي ظلت أسيرة منطق الغنيمة وتوزيع المناصب.
الأحزاب، بدل الانفتاح على النخب المستقلة والكفاءات الشابة والفاعلين المدنيين، تواصل الانغلاق في دوائر مغلقة، حيث تُدار الاجتماعات بسرية وتُقدَّم الولاءات الشخصية على المصلحة الوطنية. أما الكفاءات الإصلاحية، فيُدفع بها إلى الهامش أو خارج اللعبة تماماً، في مشهد يعكس إرادة واعية في إقصاء أي تهديد محتمل لترتيبات ما بعد الانتخابات.
الانتقالات والاستقالات الحزبية التي تتصدر العناوين ليست سوى واجهة لعمليات أعمق من تبادل النفوذ وإعادة ترتيب الصفوف خلف الكواليس. وما يزيد من قتامة المشهد أن كل هذه الممارسات لا تخرج عن نص سياسي قديم يعاد إخراجه بديكور جديد، حيث تتغير الأسماء والشعارات، لكن الجوهر يبقى على حاله.
في ظل هذا الواقع، يصبح السؤال الحاسم: هل نحن على أبواب مرحلة سياسية جديدة، أم أننا بصدد نسخة مكررة من نفس المسرحية التي عشنا فصولها مراراً؟ المؤشرات تقول إن ما يحدث ليس إلا إعادة إنتاج للمنظومة القائمة، وأن التغيير الحقيقي لن ينبثق من هذه التحركات الموسمية، بل من إرادة شعبية واعية تفرض قواعد جديدة للعبة السياسية، وتضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار حزبي أو شخصي.
