بقلم: مراد بورجى
عَنون الزملاء بجريدة “الأيام” ملفهم الأسبوعي، الذي يتحدث عن بروفايلات لتقلُد منصب رئيس الحكومة المقبلة، بعنوان: “العشرة المبشرون برئاسة الحكومة”.
يتحدث الملف عن عشر “شخصيات” مرشحة لرئاسة الحكومة، بناءً على “تنافس 4 أحزاب على احتلال المرتبة الأولى بدرجات متفاوتة، لن تخرج عن (العدالة والتنمية)، و(التجمع الوطني للأحرار)، و(الأصالة و المعاصرة) و(الاستقلال)، بينما باقي الأحزاب السياسية، من الصعب جدا أن تنافس على المرتبة الأولى بحكم أن قاعدتها الانتخابية صغيرة”.
“الشخصيات” أو “البرفايلات”، الذين ذكرتهم الجريدة، هم على التوالي: عزيز أخنوش، محمد بنشعبون، حفيظ العلمي، سعد الدين العثماني، المصطفى الرميد، نزار بركة، عادل الدويري، كريم غلاب، عبد اللطيف وهبي، وأخيرا مصطفى الباكوري.
سأترك لكم جريدة الأيام الأسبوعية للاطلاع عما قالته عن هؤلاء، ونحاول نحن أن نتناول، من زاوية مغايرة تمامًا، موضوع “رئيس الحكومة المقبلة” و”الانتخابات المرتقبة” برمتها.
قبل الكلام عن أي انتخابات أو حكومة يجب أولاً فهم سياق المرحلة المقبلة التي رسم لها الملك محمد السادس خارطة الطريق انطلاقًا من خطابات ملكية، تناول فيها الملك، بشكل مستفيض، بعد أن وقف على مكمن الداء، كل القضايا التي همّت وستَهُمّ حاضرَ ومستقبلَ المغرب إلى غاية الوصول إلى ملكية برلمانية في أقرب الآجال.
يعني أن الملك قال على لسان اثنين من مستشاريه إنه سيتوارى إلى الخلف ليترك الحكم وإدارة الشأن العام إلى جهاز تنفيذي تفرزه صناديق الاقتراع في انتخابات يختار فيها الشعب ممثليه.
أي أن الملك محمد السادس شخصيا عبّر عن رغبته في تهيئة الأجواء المناسبة لمرحلة سياسية أخرى يُنتظر أن ينخرط فيها المغرب مستقبلا برؤية جديدة وكفاءات جديدة ورجالات جدد ليست لهم أي مسؤولية في هذا الفساد الكبير، الذي ينخر البلاد طولا وعرضاً.
لهذا فإن تنزيل الملكية البرلمانية لابد أن تسبقه، وفق ما ذكره المستشاران الملكيان، إدخال مقتضيات وإصلاحات وتغييرات جذرية تضمن التنزيل السليم والناجع لهذا الشكل الجديد من الحكم في المغرب.
وهذا ما دفع ثلاث مؤسسات قضائية دستورية إلى “التحالف” لمحاربة الفساد وجرائم الاعتداء على المال العام، من خلال توقيع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات، أول أمس الأربعاء بالرباط، مذكرة تعاون حول محاربة الفساد وتنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة…
بمعنى آخر، إن الملك لا يريد الطبقة السياسية الحالية التي فشل بين يديها كل شيء إلى درجة أن قال الملك إنه لا يثق فيها لا هو ولا الشعب إلاّ من رحم ربي، وأمرَ بتجديد النخب السياسية، في خطابات عدة، بعد أن سئِم، لمدة عشرين سنة من حكمه، من مطالبة الأحزاب بضخ دماء جديدة، وادخال الشباب في الحياة السياسية، في حين إن كل ما قامت به هذه الأحزاب، طوال هذه الفترة، هو إعادة تدوير نفس الوجوه والسياسات والمسلكيات…
ولذلك، قلنا، في المقال السابق، إن تزكية الأحزاب لنفس الوجوه في الانتخابات المرتقبة، وعودتهم إلى القبة، قد تدفع الملك إلى حل البرلمان.
وحتى لا نتيه، لنرجع لملف جريدة الأيام، الذي تضمن عنوانه مصطلح “مبشَّرين” برئاسة الحكومة المقبلة كمعطى موجود يُروّج له في الخفاء ضمن برنامج بعض الأحزاب.
أولاً يجب القول إن “الشرذمة”، التي تدّعي أن أمر الحكومة ورئيسها محسوم مسبقًا بالاتفاق مع الملك أو مع محيطه، فهذا أمر لا يعدو أن يكون كذبًا ونصبًا واحتيالا على الناخبين والمنتخبين على حد سواء، خصوصا مِن طرف مَن يدعيان أنهما تربطهما صداقة بالملك… أو من طرف آخرين يدّعون قربهم من مستشاره “ها لخبار فراسكم”.
أمّا الملك، فقد لا يفكّر في كل هؤلاء تمامًا مادام يرغب في التجديد، والتجديد هنا يدفعنا إلى التساؤل حول مبادرات الملك محمد السادس، منذ اعتلائه العرش، إلى الدفع بقوة للمرأة للولوج إلى مراكز القرار…، فهل هذا سيدفعه لإخراج المغرب من العقلية الذكورية، التي سادت وتحكّمت في تشكيل الحكومات المغربية ورئاستها، منذ أول حكومة بعد الاستقلال السياسي للمغرب في سنة 1956 إلى حدود اليوم، وبالتالي لاختيار امرأة على رأس الحكومة المغربية؟
هذه العقلية الذكورية مازالت سائدة في معظم الدول المتقدمة كفرنسا، التي ترشحت فيها للانتخابات الرئاسية كل من سيگولين رويال سنة 2007 ومارين لوبن سنة 2016 ومازالت مرشحة لها لكن دون جدوى.
كذلك أمريكا التي لم تستطع امرأة الفوز بالرئاسيات منذ 200 سنة الشيء الذي دفع بايدن إلى أن يعِد بالتخلي عن مقعده الرئاسي، بعد نصف الولاية، لنائبته كمالا هاريس.
لهذا، تعيين الملك لامرأة على رأس الحكومة المقبلة سيكون حدثا سيجعل من المغرب أول دولة عربية تجلس فيه امرأة على كرسي رئاسة الحكومة، كما سيكون سبّاقا إلى ذلك قبل عدة دول عظمى تتغنى بالانفتاح.
إذَا كان ملف جريدة الأيام ذَكَر أسماء بعينها، كذلك نحن يمكن أن نسمي ونقول إن المغرب يحبل بكفاءات نسائية، كالصحراوية امباركة بوعيدة، والإسلامية أمينة ماء العينين، والحقوقية خديجة الرويسي، واليسارية نبيلة مونيب، والشيوعية شرفات أفيلال، وغيرهن كثيرات.
ثم إن الملك طرح السؤال، في خطاب سابق، حول الجدوى من الانتخابات؟
بما أن ملف الصحراء المغربية يعرف منعطفا مهماً هذه الأيام، لماذا لا نجعل نصب أعيننا، مثلاً، بروفايلا نسائيا شاباً بمواصفات محددة، تكون على رأس الحكومة، ويمكنها جعل القضية الوطنية قضيتها الأولى، كالصحراوية امباركة بوعيدة، التي تمرّست في الدفاع عن ملف الصحراء، كما تحملت العديد من المسؤوليات الوطنية والجهوية، من الحكومة إلى المجالس الترابية، إذ سبق أن شغلت مناصب وزارية مهمة، مثل الخارجية والتعاون والصيد البحري، خصوصا رئاستها اليوم لجهة گلميم واد نون؟
لماذا لا نتيح الفرصة أمام النساء الحقوقيات واليساريات بما أن هناك احتقانا يعرفه المغرب اليوم، أو أن يختار الملك أخريات حتى من الأحزاب الصغرى؟
الملك لن يبقى حبيس الحزب، الذي يتصدر الانتخابات التشريعية، مادام أن النقاش الدستوري أيام البلوكاج أقر بأن تلك القاعدة ليست آمرة ولا ملزمة، إذ إن الفصل 47 من الدستور المغربي يقول “يعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي، الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”.
لم يرد، في هذه المادة، أن الملك “لابُد” أن يعين، أو الملك “مُلزم” أن يعيّن الرئيس من الحزب الأول، حسب النقاش الذي ساد آنذاك، والذي تخلله ارتفاع أصوات كثيرة مطالبة بتعديل هذا الفصل، كي يتماشى مع مصلحة المغرب العليا، التي تبقى هي الأساس، والتي لا يعيرُها أيَّ شأنٍ عدد من “أشباه القيادات” في عدة أحزاب، الذين شرعوا بدورهم، هذه الأيام، في تنصيب أنفسهم في المناصب الوزارية.
لا من أجل إنقاذا ولا خدمة لمصلحة البلاد، بقدر ما يلهث وراء الحقيبة لإنقاذ نفسه هو وإنقاذ مصالحه الضيقة من الفشل والضياع، وفي هذا يقول المثل السائر “عندما تغيب السباع تستسبع الضباع”…
مغرب الغد مغرب المفاجات رسم معالمه تقرير النموذج التنموي الذي يمتد إلى سنة 2035 أبعد الحكومات المتعاقبة بسبب قِصر زمنها من حماية المخططات الكبرى بعيدة المدى والأمد ووضعا بيد الملك وحوله “الجماعة الوطنية”.
الملك محمد السادس مقبل على خلق وعاء لهذه “الجماعة الوطنية” التي ذكرها التقرير بتفعيل الفصل الـ54 من الدستور بإعطاء أمره لإحداث المجلس الأعلى للأمن القومي المغربي، كهيئة للتشاور بشأن إستراتيجيات الكبرى للمغرب بما فيها أمنه الداخلي والخارجي، وتدبير حالات الأزمات والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الجيدة.
ولهذا الحديث بقية في المقال القادم…