الصٌَحافة _ أغشان الحسين من أمريكا
لا يمكن لأحد أن ينكر اليوم أن الإحتقان الإجتماعي في المغرب قد بلغ ذروته، وأن التجاذبات السياسوية قد وصلت حدا لا يطاق، وبات هذا وذاك يخيمان بظلالهما على الإستثناء المغربي في محيط إقليمي ملتهب، بل بات هذا الأمر يقض مضجع الجميع، خصوصا وأن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية صعبة جدا، نظرا لتراكم المشاكل في بعض القطاعات، وتفاقمها في قطاعات أخرى، وتقلص الطبقة المتوسطة التي تعتبر محور الاستقرار، بسبب السياسات اللاشعبية للحكومة السابقة. من هنا أصبح سؤال الرشد السياسي في التعامل مع الوضع هو الحل الأنجع لتجاوز الأزمة. لكن ماهو سمات هذا الرشد الذي يبتغيه الجميع ولم تظهر بوادره بعد؟.
إن المقاربة الأمنية في التعامل مع الإحتقان الإجتماعي لا يؤدي إلا إلى تفاقمه، ناهيكم عن الإساءة لصورة المغرب دوليا، فقد كثر الحديت عن تردي الوضعية الحقوقية بالمغرب في السنوات الأخيرة، وعن تراجع مؤشر الحريات العامة، وهذا نوع من القصور السياسي، ويقتضي الرشد الذي ندعو إليه حفظ المكتسبات التي حققتها بلادنا، والسعي إلى تطويرها، بدل القهقرى الذي أصابها، حتى قيل غير ما مرة إن السلطات المغربية قد عادت إلى سابق عهدها وأسوأ بعدما اطمأنت أن رياح الربيع والثورات التي اجتاحت الكثير من البلدان في المحيط الإقليمي قد تم تجاوزها بسلام، ورست سفينة البلاد في مرفأ الاستقرار، وأن عشرين فبراير باتت حكاية للتسلية ليس إلا. الواقع ليس كذلك، لأن الإنتفاضة ورياح الاحتجاج لا تفتأ تهب كلما نضجت شروطها، وقد يكون رجوعها ثانية أشد وأشرس، ولعل ما يذكي نارها هو الصراعات السياسوية والانتخابوية والتطاحن على كعكة السلطة بعيدا عن المصلحة العليا والحقيقية للوطن، والدعوة إلى مصالحة وطنية أساسها مصارحة سياسية وتحمل للمسئولية هو الكفيل بالاسهام -أقول الإسهام- في حل المشكلة، لأن الأساس اقتصادي واجتماعي، لكن لابد من أساس سياسي بعيد عن التجاذبات العنترية والملحمية الفارغة، فإما أن ننتصر جميعا بانتصار الوطن أو نخسر جميعا بخسارة الوطن.
الرشد السياسي هو القناعة العميقة حد الإيمان الراسخ بالتعددية السياسية وليس توظيفها كشعار فقط، القناعة بحق الجميع في العمل السياسي والمشاركة في التدبير بعيدا عن العقلية الإقصائية والشمولية المغلفة بالمنافسة، فالوطن يتسع للجميع ويتسع لكل التيارات الإيديولوجية مادامت تشتغل في ظل ثوابتنا الدينية والوطنية بعيدا عن التطرف، لأن الأمم القوية قوية بتعدديتها وبحرياتها أولا، وبالثقة بين الفرقاء السياسيين بدون تخوين ولا اتهامات لا أساس النية والعقلية المنفتحة والتعددية السياسية المستندة إلى قناعات حقيقية عن الرشد السياسي وهي المنحى الذي يقودنا إلى الحل، وعكسها يقودنا إلى النفق المسدود، ونحن باعتبارنا مغاربة العالم، أجسادنا في بلدان المهجر، لكن أرواحنا وأفئدتنا هناك في المغرب، فإننا ندعو كل الفرقاء وكل المسئولين وعموم المواطنين إلى مصالحة وطنية شاملة وفتح الحوار الجاد بدون مزايدات ولا تطاحنات، بدون كراهية ولا أحقاد أو تخوينات، فكلنا للوطن والوطن لنا جميعا، ولكم في المصالحة حياة وأمن واستقرار وازدهار.