الصحافة _ كندا
حين تتجاوز الفاتورة اليومية للمغاربة قدرتهم على الاحتمال، لا يعود الحديث عن أسعار المحروقات نقاشًا تقنيًا، بل يتحول إلى قضية سيادية تمس الأمن الاجتماعي والاقتصادي. وهو ما يعيد إلى الواجهة الأصوات الخبيرة، مثل ما عبّر عنه الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، من أرقام دقيقة وحسابات صادمة.
فبناء على معادلة الأسعار الدولية وسعر صرف الدولار ومصاريف النقل والتخزين، لا يفترض أن يتجاوز سعر لتر الغازوال في الموانئ المغربية 5.8 دراهم، ولتر البنزين 5.1 دراهم، قبل احتساب الضرائب وهامش التوزيع. وبعد إضافتهما، تصل الأسعار المنطقية إلى حدود 9 دراهم للغازوال و10 دراهم للبنزين. لكن الواقع الميداني يفاجئ الجميع: أسعار المحطات تُظهر أرقاما تتخطى 11.1 درهم للغازوال و12.9 درهما للبنزين.
فأين يذهب هذا الفرق؟ ببساطة: إلى أرباح مضاعفة للفاعلين. فبدل هامش ربح تاريخي كان في حدود 0.6 درهم للغازوال، صار اليوم لا يقل عن 2.1 درهم. وبالنسبة للبنزين، قفز الهامش من 0.7 درهم إلى حوالي 2.9 درهم للتر الواحد. وعند ضرب هذه الفوارق في حجم الاستهلاك السنوي (7 مليارات لتر للغازوال ومليار لتر للبنزين)، يتضح أن المستهلك المغربي يؤدي سنويًا فاتورة إضافية تقارب 18 مليار درهم.
إنها معادلة تؤكد بالملموس أن تحرير أسعار المحروقات، الذي رُوّج له كآلية لتعزيز التنافسية، لم يُسفر إلا عن تسليع القدرة الشرائية للمواطن، وفتح الباب أمام احتكار مقنّع، بهوامش ربح تتجاوز المنطق والمصلحة العامة.
من هنا، تبرز دعوة اليماني إلى مراجعة شاملة: من سحب هذا الملف من مجلس المنافسة، الذي لم يفلح في فرض شفافية السوق، إلى المطالبة بإحداث وكالة وطنية لتقنين قطاع الطاقات، تكون لها صلاحيات التقصي والتدخل الفوري. والأهم، ضرورة إعادة تصنيف المحروقات كسلعة استراتيجية غير قابلة للتحرير الكامل، في انتظار شروط تنافسية حقيقية.
كما أن النقاش حول إعادة تشغيل مصفاة لاسامير لم يعد ترفًا سياسيًا أو حنينًا إلى الماضي، بل صار جزءًا من الحل الاستراتيجي لضبط الكلفة وضمان السيادة الطاقية، تمامًا كما تفعل الدول التي تضع كرامة مواطنيها فوق منطق السوق المجرد.
لقد آن الأوان لوضع حد لهذا “الربح السهل” على حساب المواطن، وإعادة الاعتبار لوظيفة الدولة التنظيمية، حتى لا يتحول البنزين إلى محكّ سياسي، والغازوال إلى معيار للعدالة الاجتماعية.