الصحافة _ كندا
عرفت المنظومة الانتخابية في المغرب خلال العقدين الأخيرين سلسلة من التحولات القانونية والتنظيمية، شملت القوانين المنظمة للأحزاب واللوائح الانتخابية ومدونة الانتخابات، إلى جانب المراسيم والقرارات المكملة لها. هذه التعديلات المتكررة تعكس سعيًا متواصلاً لملاءمة الإطار القانوني مع متطلبات المشاركة الديمقراطية، لكنها في المقابل أثارت نقاشًا حول تأثيرها على استقرار النصوص الانتخابية وضمان الأمن القانوني.
النقاش الذي فتحته الدعوة الملكية في خطاب عيد العرش الأخير حول مراجعة القوانين الانتخابية، يُنظر إليه كفرصة لإجراء مشاورات جدية بعيدًا عن ضغط الحملات الانتخابية. وتبرز هنا أهمية التوافق الوطني، الذي ظل السمة البارزة في كل محطات الإصلاح السابقة، باعتباره الآلية الكفيلة بدمج مطالب الأحزاب على اختلاف توجهاتها، سواء كانت من الأغلبية أو المعارضة أو غير الممثلة في البرلمان.
المشهد الانتخابي بدوره عرف تحولات عميقة. فمفهوم “دوائر الموت”، التي كانت تحتضن تنافسًا بين زعماء الأحزاب وقيادات ذات رمزية تاريخية، تراجع مع اعتماد نمط الاقتراع باللائحة منذ 2002. فأصبحت الدوائر تتسم باتساعها الديمغرافي وتشعب جماعاتها، ما جعلها عرضة لتأثير المال السياسي وصعوبة المراقبة، خاصة في مناطق مثل الصويرة وسطات والحوز والرشيدية.
ولمواجهة هذه الإشكالات، لجأ المشرع إلى تقسيم بعض الأقاليم الكبرى إلى دوائر محلية أصغر، كما هو الحال في تارودانت وأزيلال والخميسات وتاونات، وهو ما ساهم في تقليص الفوارق وتعزيز العدالة التمثيلية. غير أن النقاش لا يقتصر على البعد التقني، بل يطرح أيضًا ضرورة تحصين العملية الانتخابية من المال، وتحفيز الشباب والنساء والكفاءات على الانخراط السياسي.
وفي السياق ذاته، قدمت الأحزاب السياسية مذكرات مختلفة إلى وزارة الداخلية، تراوحت بين الدعوة إلى إصلاح التقطيع الانتخابي، ومحاصرة الفساد المالي، وتوسيع تمثيلية الشباب والنساء، واعتماد البطاقة الوطنية للتصويت، والرقمنة، إلى جانب مقترحات أخرى كإلغاء العتبة الانتخابية أو مراجعة شروط الترشح.
رغم تباين المقترحات، يلتقي الجميع عند أرضية إصلاحية مشتركة تتمثل في مواجهة المال الانتخابي، وتوسيع المشاركة، وضمان شفافية أكبر في العملية الانتخابية. وإذا ما جرى تفعيل هذه الأرضية في القوانين المقبلة، يمكن أن تشكل انتخابات 2026 محطة فارقة لاستعادة ثقة المواطنين وترسيخ مسار ديمقراطي أكثر نضجًا وانفتاحًا.